ضربة البنزين.. هل يُنقذ رفع الحد الأدنى للأجور إلى 10 آلاف جنيه المصريين من قبضة غلاء المعيشة؟
يدور صراع يومي صامت في شوارع القاهرة والمدن المصرية، بين الأجور المتآكلة وارتفاع الأسعار المتتالية، وبينما تتخذ الحكومة المصرية خطوات متسارعة لرفع الحد الأدنى للأجور في القطاع العام، تظل مسألة "الحد الأدنى العادل" ومصير العاملين في القطاع الخاص هي القضايا الشائكة التي تثير جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية.
مطالب برفع الحد الأدنى للأجور إلي 9 آلاف جنيه
مطالب نقابية عمالية ظهرت مؤخرا تطالب برفع الحد الأدنى للأجور إلى 9 آلاف جنيه داخل القطاع الخاص، و10 آلاف جنيه للعاملين بالجهات الحكومية والهيئات التابعة للدولة، لكن الإعلامي عمرو أديب كان له رأي أخر، وطالب أن يصل الحد الأدنى للأجور فوق 20 ألف جنيه.
في هذا التقرير يرصد موقع تفصيلة شكاوى تدني الأجور في القطاعين، ويناقش مفهوم الحد الأدنى للأجور العادل في ظل ارتفاع الأسعار والخدمات والتكلفة المرتفعة لتعليم الأبناء سواء كانت مدارس خاصة أم حكومية.
20 ألف جنيه الحد الأدنى للأجور
ونقل أديب خلال برنامج الحكاية، شكاوى البعض من عدم كفاية الرواتب المرتفعة، وواقع شريحة واسعة من العمال الذين يتقاضون أجورا أقل بكثير من الحد الأدنى المقرر قانونًا، واستشهد بتصريحاته السابقة قبل عام بأن راتبا 15 إلى 20 ألف جنيه لم يعد كافيًا، معلقا: «يوم أن قلت من يأخذ من 15 إلى 20 ألف جنيه مش عارف يعيش، الناس كلها صرخت لي! الآن الناس تتحدث عن أن هذا المبلغ غير كاف، مع مصاريف الأولاد والمدارس والأكل والشرب، هذه الأرقام أصبحت نكتة».
وتابع أديب، أن المشكلة الأصعب في مصر تكمن في شريحة من العمالة تعمل بأجور أقل بكثير من الحد الأدنى الذي أقرته الدولة، قائلا: «حتى الآن في مصر، هناك من يعمل بأجور أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور، بنتخانق على الذين يحصلون على أجر كامل وأجورهم لا تكفي، لكن ماذا عن الذين يعملون بأجور نكتة، الكثير من الناس تعمل بـ 3 آلاف جنيه! هذا الأمر أقرب إلى السخرة وظلم فادح».
في القطاع الحكومي، وعلى الرغم من الجهود المعلنة لتحسين الأجور وزيادة مخصصاتها في الموازنة، يرى عديد من العاملين أن هذه الزيادات لا تعالج بشكل كافٍ تدهور مستويات المعيشة، فالزيادات في الأجر النقدي تقابل بارتفاعات جنونية في أسعار السلع والخدمات الأساسية “الغذاء، الطاقة، الإسكان”، مما يؤدي فعليا إلى انخفاض "الأجر الحقيقي" أي القوة الشرائية للدخل.

18% زيادة في مخصصات الأجور
وتظهر بيانات وزارة المالية أن مخصصات الأجور في الموازنة ارتفعت بشكل ملحوظ، بنسبة 18.1% لتصل إلى 671 مليار جنيه لاستيعاب الزيادات التي تم إقرارها في يوليو الماضي، ولكن هذه الأرقام تُفهم في سياق محاولات الدولة لـ "لحاق" التضخم بدلاً من "تجاوزه".
وكان الحكومة أعلنت في وقت سابق عن زيادة العلاوة الدورية 10% للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية و15% لغير المخاطبين بحد أدنى 150 جنيهًا شهريًا، زيادة علاوة «غلاء المعيشة» من 600 جنيه إلى ألف جنيه، وسيتم رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه حيث ارتفعت أقل درجة وظيفية نحو 1100 جنيه في إجمالي الأجر شهريًا.
القطاع الخاص.. الحلقة الأضعف
أما في القطاع الخاص، وهو قاطرة التشغيل الأكبر في البلاد، فالصورة أكثر تعقيداً، فبينما يقر المجلس القومي للأجور رفع الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص - ليصل مؤخراً إلى 7000 جنيه اعتبارًا من مارس 2025 - يواجه تطبيق هذا القرار تحديات جمة، أولها فجوة التطبيق.
وفي تصريحات خاصة لموقع تفصيلة، قال الدكتور مدحت نافع أستاذ التمويل والخبير الاقتصاي، وعضو اللجنة الاستشارية المشكلة من رئيس الوزراء للاقتصاد الكلي، أنه شخصياً لا يميل الى وضع حد أدنى لسعر أي سلعة أو خدمة تتداول في الأسواق ومنها خدمات العمل.
وأشار نافع، إلى أن هذا التحديد من شأنه أن يتسبب في تشوهات، وقد يجبر القطاع الخاص تحديداً على تسريح العمالة أو التلاعب في التعاقدات بالتراضي مع العاملين المضطرين الى القبول للحصول على أي فرصة عمل.
وفيما يخص الحكومة وقطاع الأعمال العام، كشف نافع، أنه يمكن أن يشهدا هذه الممارسة باعتبار أن الجهاز الإداري للدولة وشركاتها عادة لا يتنافسان في أسواق حرة للعمل، وتحقيقاً لقدر من العدالة في التوزيع.

أما فيما يخص الزيادة المتوقعة، أوضح الخبير الاقتصادي، أن المبلغ المحدد يتطلب تحديده دراسات متعمقة لمسح الدخل والإنفاق ولتكاليف المعيشة في الريف والحضر.
شكاوى من عدم تطبيق الحد الأدنى
واشتكى كثير من العمال من عدم التزام عديد من المنشآت الخاصة، خاصة الصغيرة والمتوسطة، بتطبيق الحد الأدنى المقرر، في الوقت الذي تطالب فيه نقابة العاملين بالقطاع الخاص برفع الحد الأدنى للأجور إلى 9 آلاف جنيه.
وتُعد الأجور المنخفضة تحدياً هيكلياً يواجه سوق العمل المصري، على الرغم من الزيادات المتكررة التي أقرتها الحكومة في السنوات الأخيرة، بسبب أن القيمة الحقيقية لهذه الأجور تظل في حالة تدهور مستمر بفعل التضخم.
9000 جنيه الحد الأدنى للأجور للقطاع الخاص
وأمس الأحد 19 أكتوبر 2025، طالبت النقابة العامة للعاملين بالقطاع الخاص برئاسة شعبان خليفة، بزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 9 آلاف جنيه، بعد الزيادات الكبير التى حصلت في أسعار الوقود (البنزين والسولار والغاز) العام الجاري، بجانب الزيادات التي طالت الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه.
وطالب رئيس النقابة بضرورة دعوة المجلس القومي للأجور للانعقاد بشكل عاجل للنظر في تداعيات زيادة الأسعار، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 9 آلاف جنيه على الأقل حتى يتناسب مع مستوى المعيشة الراهن، تنفيذا لأحكام المادة (102) من قانون العمل رقم 14 لسنة 2025، التي تختص بوضع الحد الأدنى لأجور العاملين في كل القطاعات على المستوى القومي، مع مراعاة احتياجات العمال وعائلاتهم وتكاليف المعيشة وتغيراتها.
اجتماع كل 6 أشهر لمناقشة الحد الأدنى للأجور
وأشار خليفة إلى أن المادة (103) من القانون تنص على أن يجتمع المجلس القومي للأجور بدعوة من رئيسه كل ستة أشهر على الأقل أو كلما دعت الحاجة إلى ذلك، مؤكدا أن الظروف الحالية تستوجب اجتماعا استثنائيا عاجلا.
ونجد في بعض الأحيان، أن أصحاب العمل يعتمدون على وفرة العمالة واستغلال حاجة الأفراد للوظيفة لتخفيض سقف الرواتب، مما يؤدي إلى استقطاب الكفاءات بأقل الأجور الممكنة، الأمر الذي يضر بالإنتاجية على المدى الطويل.
ما هو الحد الأدنى للأجور العادل في ظل غلاء الأسعار؟
ويجب أن يضمن الحد الأدنى العادل للأسرة المتوسطة ليس فقط البقاء، بل مستوى معيشة كريم، ولهذا يجب أن يكون مرتبطاً بمؤشر التضخم السنوي بشكل إلزامي، وأن يتم مراجعته وتعديله بانتظام وليس كاستجابة وقتية للأزمات.
هل تتجه الحكومة المصرية لرفع الحد الأدنى بشكل كبير الفترة المقبلة؟
تشير المؤشرات الحالية إلى أن الحكومة المصرية تتبنى سياسة رفع متسارع للحد الأدنى للأجور في القطاع العام كإحدى أدوات الحماية الاجتماعية، على أن يصل إلى 10 آلاف جنيه خلال الفترة المقبلة.



