باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

الدراما تُفتي من دون علم.. هل أصبح الفن بديلاً عن العلماء؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

لم يعد الحديث عن تأثير الدراما ترفًا ثقافيًا أو شأنًا فنيًا بحتًا، بل أصبح قضية فكرية ودينية تمسّ جوهر الهوية الإسلامية للمجتمع ففي زمن تتصدر فيه المسلسلات والأفلام ساحات الوعي، وتنافس المساجد والمدارس في التأثير، أصبحت الشاشة مرآةً للعقائد والسلوك، ومصدرًا لتشكيل القيم لدى الأجيال الجديدة.

إنها حرب ناعمة تخوضها الكاميرات بدل السيوف، وأبطالها ليسوا جنودًا بل مؤلفين ومخرجين، بينما ساحتها عقول الشباب وقلوبهم والسؤال الملحّ الذي يفرض نفسه هو: هل تسهم الدراما العربية في تعزيز الوعي الديني، أم أنها تُعيد صياغة المفاهيم الإسلامية بطريقة مشوّهة تخدم ثقافة الاستهلاك والانحلال؟

في هذا التقرير يقدم موقع تفصيلة رؤية تحليلية من منظورٍ إسلامي حول كيفية تناول الدراما المعاصرة للقضايا الدينية، ومدى التزامها بالضوابط الشرعية، وتأثيرها الواقعي على فكر وسلوك الجمهور، في ظل غياب الرقابة الفكرية وتنامي سلطة الصورة.

 الفن في ميزان الإسلام

لم يكن الإسلام يومًا عدوًّا للفن، بل نظَر إليه كوسيلةٍ للتعبير عن الجمال الذي هو من أسماء الله الحسنى، مصداقًا لقوله ﷺ: "إن الله جميل يحب الجمال" (رواه مسلم).

لكن الإسلام في الوقت ذاته وضع حدودًا دقيقة للفن حتى لا يتحول من رسالة إلى وسيلة فتنة فالفن في ميزان الشريعة يُقاس بمضمونه وأثره، لا بشكله فإن كان يُهدي إلى الخير ويُقوّي الإيمان فهو محمود، وإن كان يُضل أو يُفسد الأخلاق فهو مذموم.

ويقول الله تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ" (التوبة: 105)، وهذا توجيه شامل لكل مبدع وفنان، بأن يتقي الله فيما يُقدمه من محتوى، لأن الكلمة، أو المشهد، قد يزرع في نفس إنسان فكرة تغيّر مصيره.

الدراما في أصلها أداة دعوة إذا حَسُن استخدامها، لكنها قد تكون بابًا للغواية إن أسيء توجيهها. وفي هذا يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله: "الفن إذا لم يُسهم في بناء الإنسان فهو عبث، وإذا لم يُقرّبنا إلى الله فهو وبال".

صورة الدين في الدراما.. بين التنوير الزائف والسطحية المضللة

من يتأمل الإنتاج الدرامي في السنوات الأخيرة يجد أن صورة الدين وأهله لم تعد تُقدَّم بوقارٍ أو توازن، بل صارت تُحاصر بسلسلة من القوالب النمطية؛ فالمتدين في كثير من المسلسلات يُصوَّر كمتشدد، أو منافق، أو جاهل بالحياة، بينما "المنفتح" هو رمز التسامح والعقلانية.

وفي المقابل، يتم تناول القضايا الإيمانية  مثل التوبة، أو الإيمان بالغيب، أو مفهوم القدر  بسطحية درامية مفرطة، تُحوّل الدين من منهج حياة إلى مجرد شعورٍ عاطفي أو طقسٍ شكلي.

وقد نبّه علماء الأزهر إلى هذه الظاهرة أكثر من مرة ففي تصريح سابق، أكد أحد علماء الأزهر، أن "الفن إذا تعرّض للدين بجهلٍ أو استهزاء، فقد تحوّل من إبداعٍ إلى إساءةٍ متعمّدة، لأن الدين ليس مجالًا للتجريب أو العبث".

والسؤال هنا: من يراجع هذه الأعمال قبل بثها؟ ومن يتحمل مسؤولية الرسائل الخفية التي تُزرع في عقول المراهقين باسم “حرية الإبداع”؟

كيف تغيّر الدراما الوعي الديني؟

يُجمع خبراء علم النفس على أن التكرار في الرسائل البصرية يُشكّل الوعي الجمعي دون مقاومة عقلية فالمشاهد الذي يتعرّض باستمرار لمضامين تُسخر من المتدينين، أو تُهوّن من شأن المعاصي، يبدأ لا شعوريًا في تقبّل الخطأ باعتباره أمرًا طبيعيًا.

هذه الظاهرة تُعرف في علم الاجتماع بـ"التطبيع القيمي"، أي جعل الباطل مألوفًا عبر التكرار الفني وهنا مكمن الخطر؛ لأن الدراما  بخلاف الخطاب المباشر تخاطب العاطفة لا العقل، وتؤثر في الوجدان أضعاف ما تؤثر به الكتب أو الخطب.

وقد قال الله تعالى: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ" (الصف: 8).

فحين تُقدَّم صورة مشوّهة عن الدين، أو يُربط الالتزام بالعنف والجهل، فإن ذلك يطعن في نور الهداية الذي أراد الله له أن يضيء القلوب، ويخلق فجوة بين الأجيال والدين الحق.

الموقف الشرعي من الدراما المسيئة للدين

يُجمع علماء الأمة على أن السخرية من الدين أو تشويه شعائره محرّم شرعًا
وقد فرّق الفقهاء بين "النقد البنّاء" و"التجريح المضلل" فالدراما التي تناقش قضايا التدين بسياقٍ واقعي وتدعو إلى الاعتدال مقبولة، أما التي تسخر من الحجاب أو الصلاة أو العلماء فهي تقع في دائرة المحظور شرعًا.

كما أن صناع هذه الأعمال يتحملون إثم الترويج للباطل، لأن النبي ﷺ قال:
"من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه" (رواه مسلم).

وهذا تحذير شديد بأن الفنان ليس حرًّا في أن يُقدّم ما يشاء، بل هو مسؤول أمام الله عن الأثر الذي تتركه أعماله في الناس.

لا يعني رفض الدراما المسيئة أن الإسلام ضد الفن، بل إن الفن الراشد جزء من الدعوة حين يُحسن التوجيه وقد أثبتت تجارب عربية ناجحة  مثل مسلسل عمر بن الخطاب أو الرسالة لمصطفى العقاد  أن الدراما الهادفة قادرة على جذب الجمهور دون أن تُخالف الشريعة.

يمكن للدراما الإسلامية أن تُقدّم قصص الأنبياء، وسير العلماء، وتجارب الشباب التائبين، بأسلوب إنساني مؤثر، بعيدًا عن الخطابية، لتغرس في القلوب حبّ الله، وتعزّز روح الانتماء للدين والوطن.

كما دعا علماء الأزهر إلى إنشاء هيئة رقابية شرعية فنية تتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام، لضمان مراجعة النصوص قبل التصوير، وتقديم استشارات شرعية دقيقة للمؤلفين، حمايةً لثوابت العقيدة من العبث.

تم نسخ الرابط