باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

أمين البحوث الإسلامية: الفطرة والعقل والعلم طريق واحد إلى الخالق

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

 


في أجواء إيمانية وعلمية احتضنتها جامعة بنها، ألقى فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، كلمةً مؤثرة خلال افتتاح فعاليات الأسبوع الدعوي الثاني عشر للدعوة الإسلامية، الذي تنظمه اللجنة العليا للدعوة بالأزهر الشريف تحت شعار «الإيمان أولًا»، برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
حضر الافتتاح كلٌّ من فضيلة أ.د. محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، وأ.د. ناصر الجيزاوي، رئيس جامعة بنها، وأ.د. جيهان عبد الهادي، نائب رئيس الجامعة، إلى جانب عدد من قيادات الأزهر والمناطق الدعوية بالقليوبية، وأساتذة الجامعة وطلابها.

الإيمان فطرة خالدة لا تُكتسب بل تُولد مع الإنسان

في مستهل كلمته، أكّد الدكتور محمد الجندي أن شعار هذا الأسبوع «الإيمان أولًا» لم يأتِ عبثًا، بل لأنه يعكس أصل الوجود الإنساني، إذ إن الإيمان هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، كما قال تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}.
وأوضح فضيلته أن الفطرة السليمة لا تحتاج إلى براهين فلسفية معقدة، وإنما يكفيها قلب صادق يبحث عن الحقيقة بعفوية وطهارة، مشيرًا إلى أن كل إنسان يولد نقيًّا، ثم تعبث به المؤثرات المحيطة من بيئة ومجتمع، فتغطي على نور الإيمان الكامن بداخله.
وأضاف أن الإيمان حقٌّ أصيل في النفس الإنسانية، مغروس فيها منذ لحظة الخلق، لا يُصنع ولا يُكتسب، بينما الإنكار طارئ وزائل مهما بلغ أصحابه من الجدل أو الشك.

الدين والعلم طريقان متكاملان نحو الحقيقة

وتابع الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية حديثه مؤكدًا أن العلاقة بين الدين والعلم علاقة تكامل لا تصادم، فكلٌّ منهما طريق إلى معرفة الله فالعلم يكشف عن دقة النظام الكوني الذي لا يمكن أن يكون نتاج صدفة، والدين يهدي العقل إلى إدراك الغاية من هذا النظام.
وشدد على أن الإشكال الحقيقي ليس بين الدين والعلم، بل بين الجهل بالدين وسوء فهم العلم، مضيفًا أن أعظم العلماء التجريبيين انتهوا إلى الإيمان بوجود الخالق بعد تأمل دقيق في مظاهر الكون.

واستشهد بقول العالم البيولوجي الشهير فرانك ألن، الذي رأى أن «نشأة العالم لا يمكن أن تكون وليدة مصادفة»، بعدما درس تركيب البروتينات التي تحتوي الجزيئات منها على نحو 40 ألف ذرة منتظمة بدقة مذهلة، تدل على إرادة خالقة لا على عشوائية عمياء.
كما أشار إلى العالِم روبرت بيج، الذي بيّن أن اختبار صحة أي فرض يستلزم التسليم المبدئي به، مؤكدًا أن وجود الله لا يُختبر بالأدوات المادية لأنه ليس من عالم الحس، ولكن من توجه إلى الله بقلب مخلص انكشف له وجه الحقيقة.

العلماء والفلاسفة يشهدون بسبق الإيمان على الإنكار

وفي سياق متصل، ذكر الدكتور الجندي أن الفيلسوف ميريت ستانلي ذهب إلى أن الإيمان سابق على الإنكار، فالشك لا يولد إلا بعد وجود الإيمان ذاته، إذ إن الإنسان لا يسأل عن شيء لا يخطر بباله.
وأشار إلى أن العلماء، مهما تعمقوا في دراسة ظواهر الكون، فإنهم في الحقيقة لا يفعلون أكثر من تتبع آثار قدرة الله في خلقه، لافتًا إلى أن العلوم المادية مهما بلغت من التطور لن تستطيع أن تنفي وجود الله، بل تشهد له في كل ذرة وفي كل قانون كوني.
واستدل بقول الله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، و*{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا}*، مبينًا أن الآيات الكونية والعقلية والفطرية كلها تقود إلى الإيمان الواحد بوحدانية الخالق.

الفطرة الإنسانية.. البوصلة التي لا تنحرف عن التوحيد

وأوضح الدكتور الجندي أن الفطرة السليمة هي الدليل الأصلي على الإيمان، فهي التي تدفع الإنسان للجوء إلى الله في لحظات الخطر أو الألم، حتى لو كان جاحدًا منكرًا، مستشهدًا بقوله تعالى:
{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا}.
وبيّن أن هذا النداء الفطري الصادق هو أبلغ برهان على أن الإيمان مغروس في النفس البشرية منذ الخلق الأول.
وأضاف أن المعرفة إذا انفصلت عن الفطرة أصابها ما يشبه هشاشة العظام، فلا تُقيم بها العقائد الراسخة ولا تُبنى عليها الرؤى الصحيحة.
وأكد أن النصوص الشرعية دلّت على وجود هذا المكون الفطري في الإنسان، كما في قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}، وحديث النبي ﷺ: «ما من مولود إلا يُولد على الفطرة».

الفطرة دليل العقل.. والمبادئ الأخلاقية والغرائز تؤكد الغائية الإلهية

توسع الدكتور الجندي في بيان دلائل الفطرة، موضحًا أنها تتجلى في أربعة مستويات متكاملة:

1. المستوى العقلي: حيث تقرر المبادئ الأولية أن لكل مسبب سببًا ولكل حادث محدثًا، فلا يمكن أن يوجد الكون بلا خالق.

2. المستوى الأخلاقي: إذ يحمل الإنسان إدراكًا فطريًا لقيم العدل والخير والحق، وهي قيم مطلقة لا يمكن تفسيرها نسبيًا أو ماديًا.

3. المستوى الغريزي: الذي يوجّه الكائنات تلقائيًا نحو ما ينفعها؛ كغريزة الأمومة، وحب الحياة، والسعي للبقاء.

4. المستوى الغائي: وهو شعور الإنسان بأن لوجوده غايةً ومصيرًا، فلا يجد تفسيرًا حقيقيًا لذلك إلا في الإيمان بخالق حكيم عليم.


وأكد أن هذه المستويات الأربعة تكشف أن الفطرة ليست مجرد إحساس وجداني، بل نظام إلهي متكامل في بنية الإنسان، يقوده نحو الإيمان إذا ترك له المجال دون تشويه أو انحراف.

الإيمان في الجينات البشرية.. وحقيقة الميثاق الأول

وفي طرحٍ علمي لافت، أشار الدكتور الجندي إلى أن الإنسان يولد مفطورًا على الإيمان بالله، وقد شهد على نفسه بذلك في الميثاق الأول حين قال تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}.
وأوضح أن ابن كثير فسر هذه الآية بأنها دليل على أن الله استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم وأشهدهم على ربوبيته، وهذه الحقيقة التي جاءت في النصوص الشرعية باتت اليوم مؤيدة بالاكتشافات العلمية الحديثة في علم الوراثة الذي أثبت انتقال الصفات عبر الأجيال، مما يدل على أن البشر جميعًا كانوا في صلب آدم عليه السلام، وهي إشارة إلى وحدة الأصل والفطرة والربوبية.

الدين والعقل والعلم.. ثلاثية تؤكد أن «الإيمان أولًا»

وفي ختام كلمته، شدد الدكتور محمد الجندي على أن الدين بمقتضى العقل والنقل والعلم ليس نقيضًا للمعرفة، بل هو أصلها ومصدرها، مشيرًا إلى أن الحقائق الإيمانية مغروسة في النفس البشرية ومسجلة في الجينات منذ الخلق الأول.
وأكد أن مظاهر الكون والعقل والعلم تصدح جميعها بعبارة واحدة: «الإيمان أولًا»، لأن الفطرة السليمة والعقل الرشيد والعلم الصادق لا يمكن أن تتناقض مع الحق الإلهي، بل تلتقي جميعها عند يقينٍ واحدٍ بأن لهذا الكون خالقًا حكيمًا واحدًا لا شريك له.

 

تم نسخ الرابط