باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

رحيل العلَّامة أحمد عمر هاشم.. مسيرة علمٍ ونورٍ في خدمة الأزهر والأمة

الدكتور أحمد عمر
الدكتور أحمد عمر هاشم

في السادس من فبراير لعام 1941م، وُلد العلَّامة المُحدِّث الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم في قرية بني عامر التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، في بيتٍ عامرٍ بالعلم والفضل والشرف الهاشمي الأصيل، إذ يمتد نسب أسرته الكريمة إلى الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما، سبط رسول الله ﷺ.

نشأ الدكتور أحمد عمر هاشم في بيئةٍ دينيةٍ نقيةٍ تموج بالعلم والتقوى، وتربى في الساحة الهاشمية التي كانت ولا تزال مناراتٍ للذكر والتلاوة وحلقات العلم، حيث التقى العلماء والصالحين والمربين الذين كان لهم أثر بالغ في تكوين شخصيته العلمية والدعوية منذ نعومة أظفاره.

بداية مبكرة مع القرآن الكريم والعلوم الأزهرية

بدأت رحلة العالم الجليل مع كتاب الله تعالى في سن العاشرة، حين حفظ القرآن الكريم وأتقن تجويده، لتكون تلك البداية المباركة بوابة دخوله إلى رحاب الأزهر الشريف.

التحق بالتعليم الأزهري الابتدائي، واستمر في طريقه العلمي حتى تخرج في كلية أصول الدين عام 1961م، وهو ما فتح أمامه طريق التخصص العميق في علوم الحديث النبوي الشريف التي عشقها قلبه وسعى لخدمتها طوال حياته.

وفي عام 1967م حصل على الإجازة العالمية، ثم عُيِّن معيدًا بقسم الحديث وعلومه بالكلية نفسها، ليبدأ مشواره الأكاديمي الطويل في أروقة الأزهر الشريف.

من الماجستير إلى الدكتوراه.. ومسيرة علمية مضيئة

لم يتوقف شغفه بالعلم عند مرحلة التعيين الأكاديمي، بل واصل دراسته بجدٍّ واجتهاد حتى حصل على درجة الماجستير عام 1969م، ثم الدكتوراه في التخصص ذاته.

وفي عام 1983م، أصبح أستاذًا للحديث وعلومه، وهو المنصب الذي كان بوابةً لترسيخ مكانته بين كبار علماء الحديث في العالم الإسلامي.

ثم تولى عمادة كلية أصول الدين بالزقازيق عام 1987م، فعمل على تطوير مناهجها وإثراء البحث العلمي فيها، ليُعرف بين طلابه وزملائه برقيّ خُلقه وشدة تواضعه وسعة علمه.

قيادة جامعة الأزهر.. عهد الإصلاح والنهضة

في عام 1995م، كُلّف الدكتور أحمد عمر هاشم برئاسة جامعة الأزهر الشريف، فكانت فترة ولايته علامة بارزة في تاريخ الجامعة، إذ شهدت توسعًا في الكليات والمراكز البحثية، واهتمامًا خاصًّا بالطلاب الوافدين، ونشاطًا علميًّا واسعًا في المؤتمرات والندوات الفكرية.

ولما يمتلكه من فكر وسطي متزن، كان مثالًا للقيادة الأكاديمية الرشيدة التي جمعت بين الأصالة الأزهرية والانفتاح العلمي الحديث.

عضوية هيئة كبار العلماء ومناصب رفيعة في مؤسسات الدولة

لم يكن الدكتور أحمد عمر هاشم عالمًا أكاديميًّا فحسب، بل كان أحد الرموز الفكرية والدينية البارزة في مصر والعالم العربي.

فقد شغل عضوية هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إلى جانب عضويته في مجمع البحوث الإسلامية، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والمجلس الأعلى للثقافة، والمجلس الأعلى للجامعات، واتحاد الكُتّاب، فضلًا عن رئاسته للمركز العام لجمعيات الشبان المسلمين العالمية.

كما تقلد عضوية مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وترأس لجنة البرامج الدينية بالتلفزيون المصري، حيث ساهم في توجيه الخطاب الديني الإعلامي بما يتناسب مع روح الإسلام الوسطي المعتدل.

وكان له حضورٌ مؤثر في البرلمان المصري بغرفتيه، حيث مثّل الأزهر وعلماءه خير تمثيل، ودافع عن قضايا الدعوة والوطن بروح العالم المخلص والمواطن الغيور.

عالم حديثٍ موسوعي ومؤلف غزير الإنتاج

احتل الدكتور أحمد عمر هاشم مكانةً علميةً رفيعة بين كبار المحدثين في العالم الإسلامي، فقد تميز بدقة البحث، وسعة الاطلاع، وإخلاص المنهج العلمي، وبرز كأحد أبرز شيوخ الحديث في العصر الحديث.

ترك للتراث الإسلامي مؤلفاتٍ قيّمة، من أبرزها:

الإسلام وبناء الشخصية

من هدي السنة النبوية

الشفاعة في ضوء الكتاب والسنة والرد على منكريها

الإسلام والشباب

قصص السنة

القرآن وليلة القدر

التضامن في مواجهة التحديات.


كما ألّف موسوعة معاصرة في علم الحديث، تُعد أول موسوعة لشرح الأحاديث الصحيحة، تم ترتيبها ترتيبًا موضوعيًّا وفقهيًّا، لتكون مرجعًا رائدًا للباحثين وطلاب العلم.

فن الخطابة والشعر.. نَفَسٌ إيماني وروح أدبية

إلى جانب علمه الواسع، تميز الدكتور أحمد عمر هاشم بموهبةٍ فريدة في فن الخطابة، ظهرت منذ صغره؛ إذ اعتلى منبر الجمعة لأول مرة وهو في الحادية عشرة من عمره في شهر رمضان المبارك، فأسَرَ القلوب بفصاحته وبلاغته وروحانيته.

كما كان شاعرًا مبدعًا نظم القصائد في مدح النبي ﷺ، جمعها في ديوانه الشهير "نسمات إيمانية"، ومن أروع ما قال:

حبيبي يا رسول الله هذا ضياؤك مشرقٌ في مقلتيّا
وقلبي لاهبُ الآهاتِ ينعى على الدنيا ظلامًا عنجهيّا
ودينك خالد الإشعاع ثبْتٌ يصارعُ ذلك البغيَ البغيّا
وكان ختامهم خير البرايا محمدًا النبيَّ الهاشميّا.

كلماتٌ تنبض حبًّا وإيمانًا، تُجسِّد تعلقه العميق برسول الله ﷺ، وتكشف عن روحٍ أزهريةٍ عاشقةٍ للحق والجمال والضياء.

جوائز وتكريمات تُخلِّد مسيرته

نال الدكتور أحمد عمر هاشم جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1992م تقديرًا لعطائه العلمي والبحثي، كما حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.

وفي عام 2022م، كرّمه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي تقديرًا لمسيرته الدعوية والعلمية الزاخرة، وما قدّمه من إسهاماتٍ في نشر الفكر الوسطي ومواجهة التطرف والإلحاد والانحراف الفكري.

عالمٌ عالمي الحضور.. ورسالة لا تعرف الحدود

كان للعلَّامة الجليل حضورٌ قوي في المؤتمرات والندوات الدولية التي عُقدت في العديد من الدول، منها: السودان، السعودية، الجزائر، المغرب، ماليزيا، باكستان، الإمارات، الكويت، الأردن، العراق، ألمانيا، الولايات المتحدة، بلجيكا، إيطاليا، فرنسا وغيرها، حيث مثّل الأزهر الشريف خير تمثيل، وأوصل صوت الإسلام المعتدل إلى كل محفل.

الرحيل.. وخاتمة تُشبه حياةً كريمة

في يوم الثلاثاء 7 أكتوبر 2025م، الموافق 15 ربيع الآخر 1447هـ، ودّعت مصر والأمة الإسلامية واحدًا من كبار علمائها ورجالها الصادقين.

رحل الدكتور أحمد عمر هاشم إلى جوار ربه بعد عمرٍ حافلٍ بالعطاء والعلم والجهاد في سبيل الدعوة والتعليم.

وأُقيمت صلاة الجنازة على جثمانه الطاهر في الجامع الأزهر الشريف، وشيَّعه الآلاف من العلماء والطلاب والمحبين، يتقدمهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقيادات الأزهر، وشخصيات مصرية وعربية وإسلامية بارزة.

 

تم نسخ الرابط