رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

صراع الهوية والقيم.. هل ينجو العالم الإسلامي من ضغوط المثلية؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

لم يعد موضوع المثلية الجنسية مجرد قضية هامشية أو ظاهرة فردية، بل تحوّل إلى ملف دولي ساخن يرتبط بالسياسة والحقوق والهوية الدينية والثقافية ففي الوقت الذي ترفع فيه المؤسسات الغربية شعار "حماية الحريات الفردية"، يواجه العالم الإسلامي ضغوطًا متزايدة للقبول بما يتعارض مع نصوصه الشرعية وقيمه الأخلاقية وبين النصوص الواضحة في القرآن والسنة، والمواقف الدولية التي تصل إلى حد فرض شروط سياسية واقتصادية، تبقى الأسر المسلمة في قلب المعركة، تعاني من آثار هذه الحملات على أبنائها وهويتها.

جاء القرآن الكريم بحسم واضح في قضية اللواط، حينما قصّ قصة قوم لوط:

﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف: 80).

كما جاء في موضع آخر:

﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ (الأعراف: 81).

وفي السنة النبوية، ورد الحديث: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" (رواه أبو داود والترمذي) وإن كان العلماء قد اختلفوا في كيفية العقوبة بين الرجم والقتل والجلد، إلا أنهم اتفقوا على أن الفعل حرام ومجرَّم شرعًا.

ويشير الفقهاء إلى أن هذا التحريم ليس مجرد حكم تعبدي، بل لحماية الفطرة الإنسانية وصون الأنساب والحياة الاجتماعية. فالزواج الشرعي بين رجل وامرأة هو السبيل الذي يحقق المقصد الشرعي: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ (الروم: 21).

المذاهب الفقهية: إجماع مع تنوع في التفصيل

اتفقت المذاهب الأربعة على أن اللواط كبيرة من الكبائر تستوجب العقوبة، لكنهم اختلفوا في تفاصيل التنفيذ:

الحنفية: يرون أن عقوبة اللواط مثل عقوبة الزنا (الجلد للمحصن وغير المحصن).

المالكية: يرون أن الحد هو الرجم مطلقًا سواء كان الفاعل محصنًا أم لا.

الشافعية والحنابلة: يميلون إلى القول بالقتل، تأسيسًا على الحديث النبوي.


هذا التنوع لا يغيّر من حقيقة وجود إجماع فقهي على التحريم واعتبار الظاهرة تهديدًا للأخلاق والنسل والمجتمع.


الضغوط الغربية: الحريات الفردية سلاح ضغط سياسي

على الجانب الآخر، تفرض دول غربية ومنظمات دولية أجندة واضحة تحت شعار "المساواة وحقوق الإنسان" فقد اشترط الاتحاد الأوروبي في أكثر من مناسبة تضمين "حماية المثليين" ضمن الاتفاقيات التجارية والسياسية مع الدول العربية والإسلامية.

كما أصدرت بعض الدول الغربية قوانين تعاقب على "رهاب المثلية"، وتجبر المؤسسات التعليمية على إدراج مفاهيم "التنوع الجنسي" في المناهج، وهو ما يثير مخاوف المسلمين هناك على أبنائهم.

الأخطر من ذلك هو محاولات ربط المساعدات الاقتصادية والتنموية للدول الفقيرة بمدى قبولها بتشريعات تسمح بزواج المثليين أو تعترف بحقوقهم القانونية.

المواقف الإسلامية الرسمية: الأزهر والمجامع الفقهية

أكد الأزهر الشريف في بياناته المتكررة أن المثلية ليست حقًا إنسانيًا وإنما "انحراف عن الفطرة السوية"، مشددًا على أن الحرية لا تعني الفوضى كما أصدرت رابطة العالم الإسلامي بيانًا عام 2022 ترفض فيه محاولات فرض ثقافات مغايرة على المجتمعات الإسلامية.

المجامع الفقهية في جدة والدوحة والكويت أجمعت أيضًا على أن المثلية محرّمة، وأن قبولها تحت ضغط دولي لا يجوز شرعًا لكنها في الوقت نفسه دعت إلى العلاج والتقويم النفسي بدلاً من الاكتفاء بالجانب العقابي، إدراكًا لكون بعض الحالات قد تنشأ عن اضطرابات نفسية أو بيئية.

معاناة الأسر: بين الخوف والصدمة

بعيدًا عن النقاشات الفقهية والسياسية، تقف الأسر العربية والمسلمة في مواجهة مباشرة مع التحدي كثير من الآباء يروون صدمتهم حين يكتشفون أن أبناءهم متأثرون بالدعاية الرقمية التي تروّج للمثلية عبر الأفلام الكرتونية والمحتوى الموجه على الإنترنت.

الجدل بين الحرية والقيم

يرى المدافعون عن حقوق المثليين أن "الحرية الفردية" تعني حرية الجسد والاختيار الجنسي، بينما يؤكد العلماء المسلمون أن الحرية في الإسلام مقيدة بضوابط الشرع:

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ (الأحزاب: 36).

ويشير المفكرون الإسلاميون إلى أن الغرب نفسه لا يطلق الحريات بلا حدود؛ فهناك قوانين تجرّم  الإساءة للعلم الوطني، مما يثبت أن كل حرية محكومة بإطار قيمي، فلماذا يُراد للمسلمين فقط أن يفرّطوا في قيمهم؟

شهادات أطباء نفسيين: بين العلاج والوقاية

يرى عدد من الأطباء النفسيين العرب أن بعض حالات الميل المثلي قد تكون ناتجة عن اضطرابات نفسية أو صدمات في الطفولة، أو بسبب البيئة الإعلامية الموجّهة ويؤكدون أن العلاج السلوكي والمعرفي قادر على مساعدة الشباب على العودة إلى الفطرة السوية إذا تم التدخل مبكرًا.

ويشير خبراء أسريون إلى أن الحل يبدأ من التربية المبكرة، وبناء علاقة قوية بين الآباء والأبناء، مع الرقابة على المحتوى الإعلامي، وتقديم خطاب ديني رحيم يجمع بين الحزم في الحكم الشرعي والدعم في العلاج والتقويم.

ثبات النصوص في وجه العواصف

يبقى الإسلام واضحًا في موقفه من المثلية الجنسية: تحريم شرعي لا يقبل المساومة لكن التحدي الأكبر اليوم هو في كيفية التعامل مع ضغوط الخارج ومعاناة الداخل فالتمسك بالنصوص لا يعني إهمال الجوانب الإنسانية والنفسية، ولا يعني القبول بأن تتحكم الضغوط الدولية في هوية الأمة.

تم نسخ الرابط