الموسيقى والغناء بين النصوص الشرعية وتحولات العصر الحديث.. ما القصة؟

لم تخمد نيران النقاش حول الموسيقى والغناء منذ فجر الإسلام وحتى اليوم فبين من يراها مدخلًا للهو والابتعاد عن ذكر الله، ومن يعتبرها وسيلة مشروعة للترويح وزكاء الروح، ظلّت القضية تتأرجح بين النصوص الشرعية والواقع الاجتماعي ومع انفجار ثورة التكنولوجيا وانتشار المنصات الرقمية، أصبح الشباب المسلم في قلب هذا الجدل، حيث تحاصرهم الألحان في الهواتف والمقاهي والإعلانات، ليبقى السؤال حاضرًا: هل ما يسمعونه حلال أم حرام؟
النصوص الشرعية.. بين التحريم والإباحة
أدلة التحريم
استند فريق من العلماء إلى قوله تعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6].
وفسروا "لهو الحديث" بالغناء، مؤكدين أن الآية تنهى عنه كما استشهدوا بحديث النبي ﷺ:
«ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف»، مشيرين إلى أن اقتران "المعازف" بالمحرّمات دليل على المنع.
أدلة الإباحة
في المقابل، ذهب آخرون إلى أن النصوص الشرعية لم تحرّم الغناء بإطلاق واستدلوا بحديث الجاريتين في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها يوم العيد، وحديث النبي ﷺ عن زفّ العروس بالدف، معتبرين أن الغناء المباح جائز ما دام خاليًا من الفحش أو ما يلهي عن العبادة.
اختلفت المذاهب الفقهية في الموقف:
الحنفية أجازوا الغناء بلا آلات.
المالكية أجازوا البريء وكرهوا الماجن.
الشافعية ميّزوا بين الأناشيد والمعازف.
الحنابلة شددوا في التحريم إلا في الأعياد والأفراح.
الموسيقى والفنون الحديثة.. واقع متغير
في عصر العولمة، أصبحت الموسيقى جزءًا لا يتجزأ من الإعلام والفنون:
الموسيقى التصويرية باتت عنصرًا أساسيًا في السينما والإعلانات.
الأناشيد الإسلامية تحولت إلى نسخ إلكترونية بإيقاعات معاصرة أثارت جدلًا بين المؤيد والمعارض.
المهرجانات الشعبية اجتاحت المنصات وجذبت ملايين الشباب بكلماتها وإيقاعاتها السريعة.
مؤسسات دينية بدأت تدعم الفن الهادف، معتبرة أنه أداة للإصلاح والتربية.
الشباب المسلم.. بين النص وضغط الواقع
المتشددون: يرون أن الموسيقى تضعف القلب وتبعد عن القرآن، ويفضلون استبدالها بالتلاوة والأناشيد الخالية من المعازف.
المعتدلون: يجيزون الفن الراقي ما لم يشغل عن العبادة.
المتحررون: يتعاملون مع الموسيقى باعتبارها جزءًا من الحياة دون قيود، ما يخلق فجوة بينهم وبين المرجعية الدينية.
الفن بين الهوية والحداثة
الفن اليوم يُعد قوة ناعمة تُشكّل وعي المجتمعات وبين ضغوط العولمة وضعف التربية الدينية المتوازنة، يتأرجح الشباب بين التشدد المانع والانفلات المبرر. وهنا يبرز سؤال الهوية: هل يمكن للإبداع أن يظل منضبطًا بروح الإسلام في زمن أصبحت فيه الموسيقى لغة عالمية عابرة للثقافات؟
رؤية إسلامية متوازنة
من منظور المقاصد الشرعية، لا يُحرّم الفن لذاته، وإنما يُنظر إلى محتواه وأثره قال تعالى:
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32].
وقد أقرّ الرسول ﷺ الغناء بالدف في الأعياد، ما يدل على أن الأصل ليس التحريم المطلق، بل الضبط والتوجيه، بحيث يُسخّر الفن لخدمة الأخلاق والدعوة لا لإفساد النفوس
1. تعزيز الفنون الهادفة التي تخدم القيم الإسلامية.
2. توعية الشباب بالتمييز بين الفن الراقي والهابط.
3. دمج الفنون بالدعوة عبر المنصات الرقمية لجذب الأجيال الجديدة.
4. إطلاق اجتهاد فقهي معاصر يوازن بين النصوص الشرعية ومتغيرات الواقع.
يبقى الجدل حول الموسيقى والغناء قائمًا بين من يراها "بابًا للفتنة" ومن يصفها بـ"لغة الروح العالمية" لكن بين التشدد والإباحة، يظل المعيار الأهم هو أثرها على الفرد والمجتمع، ومدى توافقها مع مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الدين والأخلاق، مع إدراك أن الفن قد يكون جسرًا للتربية والإصلاح بقدر ما قد يكون أداة للانحراف.