رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

السلفية الجهادية.. بين النصوص الدينية والواقع الدموي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

برز مصطلح السلفية الجهادية في العقود الأخيرة بوصفه أحد أكثر المفاهيم إثارة للجدل في العالمين العربي والإسلامي، إذ ارتبط مباشرة بالعنف المسلح، والعمليات الإرهابية، والخطاب الديني المتشدد الذي يبرر إراقة الدماء باسم الإسلام هذه الظاهرة لم تنشأ فجأة، بل تراكمت عبر مسارات فكرية، وتأويلات دينية، وأحداث سياسية واجتماعية شكّلت بيئتها الحاضنة السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تَشَكَّل هذا التيار؟ وما موقعه من النصوص الشرعية الصحيحة؟ وهل يمثل الإسلام حقًا أم أنه انحراف عن جوهره؟

الجذور الفكرية: من النص إلى التأويل القطبي

يرجع الباحثون نشأة السلفية الجهادية إلى تزاوج تيارين: الفكر السلفي التقليدي الذي ينادي بالعودة إلى منهج السلف الصالح في العقيدة والعبادة، والفكر الحركي الثوري الذي تأثر بكتابات سيد قطب حول "الحاكمية" و"الجاهلية المعاصرة".

الخطاب القطبي: يرى أن المجتمعات الإسلامية المعاصرة قد وقعت في جاهلية جديدة، وأن الحكم القائم لا يمثل شرع الله. ومن ثم فإن تغييره بالقوة يصبح واجبًا.

النزعة السلفية: استندت إلى نصوص الجهاد، لكنها أُسقطت على واقع مختلف، دون اعتبار لشروط الجهاد وضوابطه التي حددها الفقهاء.

بهذا التزاوج ظهر تيار يرفع شعار "الجهاد ضد الطواغيت" متجاهلًا قواعد الفقه الإسلامي التي تفرّق بين جهاد الدفع والطلب، وبين قتال الكفار المحاربين والمعاهدين.

العنف باسم الدين: بين التوظيف السياسي والانحراف الشرعي

مارست الجماعات الجهادية، مثل "القاعدة" و"داعش"، أشد صور العنف في العقود الماضية لكنها حاولت دومًا شرعنة ذلك بالاستناد إلى نصوص قرآنية وأحاديث نبوية، مثل قوله تعالى:

"وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً" (التوبة: 36).

غير أن العلماء يوضحون أن هذه النصوص وردت في سياقات تاريخية محددة، وأن تطبيقها يستلزم شروطًا مثل إعلان ولي الأمر للجهاد، ووجود عدوان حقيقي، والتزام قواعد الإسلام في القتال كتحريم قتل النساء والأطفال.

بل إن النبي ﷺ نهى عن الغلو والتطرف في الدين، حيث قال:

"إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" (رواه النسائي).

الموقف الشرعي: الإسلام دين سلم لا حرب

الأزهر الشريف وهيئات الإفتاء الإسلامية أكدت مرارًا أن السلفية الجهادية لا تمثل الإسلام، بل هي خروج صريح على مقاصده العليا في حفظ النفس والدين والعقل والمال والعِرض.

الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شدد على أن الجهاد في الإسلام هو لرفع الظلم، لا للعدوان أو نشر الفوضى.

المجمع الفقهي الإسلامي أوضح أن الإرهاب لا علاقة له بالجهاد الشرعي، بل هو فساد في الأرض ينهى عنه الله تعالى: "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا" (الأعراف: 56).

التداعيات السياسية: من حروب أفغانستان إلى الفوضى العربية

تاريخيًا، ازدهرت السلفية الجهادية خلال الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات، حيث حظيت بدعم دولي تحت شعار "الجهاد" لكن مع انتهاء الحرب، عاد هؤلاء المقاتلون ليؤسسوا جماعات مسلحة في بلدانهم.
في العقدين الأخيرين، انفجرت الظاهرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن، حيث وجدت الجماعات في حالة الانقسام والفوضى السياسية بيئة خصبة للتمدد.

شهادات من الداخل: مراجعات فكرية تكشف الانحراف

اللافت أن كثيرًا من رموز الجماعات الجهادية أعلنوا لاحقًا مراجعات فكرية، مؤكدين أنهم أساؤوا فهم النصوص فقد نشر قادة "الجماعة الإسلامية" في مصر كتبًا مثل مبادرة وقف العنف، أكدوا فيها أن استخدام السلاح ضد الدولة والمجتمع كان خطأً شرعيًا.

الشباب بين الخطاب المتطرف والدعوات الإصلاحية

السلفية الجهادية تستقطب شريحة من الشباب الباحثين عن هوية أو معنى لحياتهم، خصوصًا في ظل الإحباطات الاقتصادية والسياسية إلا أن علماء الاجتماع يشيرون إلى أن الخطاب الديني المعتدل، وفرص التنمية والعدالة الاجتماعية، تمثل السدّ الحقيقي أمام تمدد هذا الفكر
 

يبقى أن السلفية الجهادية ليست سوى نتاج قراءة متشددة للنصوص، وتوظيف سياسي للعاطفة الدينية الإسلام الذي جاء بالرحمة والعدل يرفض هذا النهج جملة وتفصيلًا ولا سبيل لمواجهة هذه الظاهرة إلا عبر مسارين متوازيين:

1. المسار الشرعي والفكري: بتجديد الخطاب الديني وبيان صحيح النصوص.


2. المسار الاجتماعي والسياسي: بتحقيق العدالة، وتوفير بدائل للشباب تحميهم من فكر العنف.


فالدماء التي أُريقت باسم الإسلام تضع على عاتق الأمة واجبًا أعظم: إعادة الدين إلى مكانه الصحيح كرحمة للعالمين، لا أداة للقتل والتدمير.

تم نسخ الرابط