رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

الشات بين الرجل والمرأة.. حدود شرعية أم انفلات إلكتروني؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

مع الانفتاح التكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم، أصبح "الشات" أو المحادثات الإلكترونية بين الرجل والمرأة واقعًا يعيشه ملايين الشباب والفتيات يوميًا، وبينما يرى البعض فيه وسيلة للتعارف المشروع والتواصل البريء، يحذر آخرون من مخاطره الأخلاقية والدينية، خاصة في ظل غياب الرقابة وانتشار الفتن على منصات التواصل الاجتماعي.

من منظور إسلامي، لا يقف الدين ضد التطور، لكنه في الوقت ذاته يضع ضوابط شرعية تحمي الأفراد والمجتمعات من الانزلاق في ما يغضب الله يقول تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: 32]، وهي آية صريحة تنهى المرأة عن الكلام مع الرجال الأجانب خشية إثارة الفتنة كما جاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ: "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت" (رواه البخاري ومسلم).

وإذا كان الدخول الجسدي على المرأة في غياب زوجها يثير الخطر، فما بالنا بالدخول إلى خصوصياتها عبر نافذة الشاشات، في عالم افتراضي لا قيود فيه ولا رقيب إلا الله؟

لم يعد التواصل الإلكتروني مجرد أداة عابرة، بل أصبح جزءًا من الحياة اليومية وتشير الإحصائيات الحديثة إلى أن الشباب العربي يقضي ساعات طويلة يوميًا على تطبيقات مثل "واتساب"، "ماسنجر"، و"تليجرام"، حيث تشكل المحادثات بين الجنسين نسبة كبيرة من هذه التفاعلات.

هذه الظاهرة تطرح سؤالاً مهمًا: هل يمكن ضبطها بالشرع والأخلاق؟ أم أنها ستظل منطقة رمادية بين الحلال والحرام؟

متى يكون الشات مباحًا؟ ضوابط شرعية واضحة

أجمع الفقهاء المعاصرون أن الأصل في المحادثات بين الرجل والمرأة الأجنبيين هو المنع إلا لضرورة، ولكنهم وضعوا ضوابط إذا اقتضت الحاجة إليها، مثل:

1. أن تكون المحادثة في إطار الحاجة المشروعة: كالسؤال عن مسألة علمية، أو التنسيق في عمل أو مشروع دراسي.


2. عدم الخضوع في القول: أي التزام الجدية في الكلام، والابتعاد عن الألفاظ الموحية أو المزاح المثير للشهوة.


3. تجنب الخلوة الإلكترونية: فإذا طالت المحادثات بلا حاجة، أو تضمنت أحاديث شخصية، دخلت في دائرة الريبة.


4. أن تكون في أوقات معقولة: إذ إن السهر الطويل في المحادثات غالبًا ما يفتح أبواب الفتنة.


5. أن يكون الهدف نقيًا: فإذا كان التعارف بغرض الزواج الجاد، فيجوز ضمن هذه الضوابط، لكن الأفضل أن يتم عبر وسطاء أو تحت إشراف ولي الأمر.

عندما يتحول الشات إلى باب للفتنة

رغم الضوابط الشرعية، فإن الواقع يكشف عن صور مؤلمة لانزلاق الكثيرين عبر الشات إلى ما لا يُحمد عقباه:

علاقات عاطفية محرمة تبدأ بكلمة وتنتهي بلقاء.

ابتزاز إلكتروني نتيجة تبادل صور أو تسجيلات صوتية خاصة.

تضييع الأوقات في محادثات عابثة لا تعود بنفع على الدين أو الدنيا.

فتور العلاقات الزوجية بسبب تعلق بعض الأزواج بمحادثات خارج الإطار الشرعي.

وقد جاء في الحديث الشريف: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" (متفق عليه)، وهو توجيه نبوي صريح بأن المسلم مأمور بالابتعاد عن كل ما يثير الريبة ولو لم يكن حرامًا بيّنًا.

فقهاء العصر: فتاوى تحسم الجدل

أصدرت دار الإفتاء المصرية وهيئة كبار العلماء عدة فتاوى حول الشات، أبرزها:

أن التواصل الكتابي أو الصوتي بين الجنسين لا يجوز إلا للحاجة، ويشترط أن يخلو من العبارات المريبة.

أن العلاقة الإلكترونية قد تكون مقدمة للحرام، لذا يُنصح بتجنبها إلا للضرورة.

أن التعارف بقصد الزواج يجب أن يتم بطرق مشروعة تضمن الجدية، وليس عبر محادثات مطولة بعيدة عن أعين الأهل.


الأبعاد الاجتماعية والنفسية للشات المحرم

لم يعد الأمر مجرد قضية شرعية فحسب، بل تجاوزها إلى أبعاد اجتماعية ونفسية خطيرة:

إدمان المحادثات العاطفية قد يؤدي إلى عزلة اجتماعية وضعف الإنتاجية.

انهيار الثقة الأسرية حين يُكتشف انخراط أحد أفراد الأسرة في شات مشبوه.

الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب الناتج عن علاقات عاطفية فاشلة عبر الإنترنت.

البدائل الشرعية: تواصل نقي في زمن الفتنة

الإسلام لا يغلق باب التواصل، بل ينظمه:

استخدام المنصات لأهداف علمية ودعوية، مثل حضور محاضرات أو المشاركة في منتديات معرفية.

تعزيز العلاقات الأسرية الواقعية كبديل عن الغرق في العالم الافتراضي.

التعارف المشروع للزواج عبر وسطاء موثوقين أو مواقع شرعية مرخصة، بعيدًا عن الشات المنفلت.


بين الحلال والحرام خيط رفيع

يبقى "الشات" بين الرجل والمرأة سلاحًا ذا حدين، يمكن أن يكون وسيلة مشروعة للتواصل إذا التزم بضوابط الشرع، وقد يتحول إلى معول هدم إذا تُرك بلا قيود. والمسلم الحق يدرك أن الله يراه وإن غاب عنه الناس، وأن التقوى هي الحارس الأمين في عالم يموج بالفتن.

 

تم نسخ الرابط