محمد خميس يوثق رحلة فنية إلى مقبرة بيتوزيرس بالمنيا

في أجواء صعيدية مفعمة بالبهاء وتنوع الحضارات، قام الدكتور والفنان التشكيلي محمد خميس بجولة فنية وتراثية غير تقليدية في قلب محافظة المنيا، حيث قادته روح المكان وقصصه الأثرية إلى مقبرة ومعبد بيتوزيرس بمنطقة تونا الجبل.
الرحلة أكثر من زيارة
رافق خميس خلال الجولة مجموعة من المرشدين السياحيين الذين شرحوا له تفاصيل المعالم وصناعتها الفنية العريقة، مسلطين الضوء على مقبرة بيتوزيرس كتحفة بطلمية-مصرية تجسد تمازجًا فنيًا بين الحضارتين المصرية القديمة واليونانية-الرومانية.
المقبرة، التي كانت مزارًا للحجاج القدماء ومقصدًا للوفود الأجنبية رغم نقل تابوت بيتوزيرس إلى المتحف، احتفظت بنقوش تحكي تفاصيل الحياة اليومية: الزراعة، الحرف اليدوية، صناعة العطور، تربية الحيوانات، وحتى طقوس الموت والبعث، في سرد متكامل على جدرانها.
حكايات تنبض بالحياة
خلال الجولة، تبيّن لخميس أن النقوش لم تقتصر على توثيق تفاصيل المعيشة، بل خصصت مساحة لصناعة العطور بمراحلها الكاملة، مما يؤكد أصالة هذه الحرفة المصرية منذ أكثر من ألفي عام.
كما برزت نقوش دقيقة للزراعة وتربية الأبقار – العمود الفقري للمجتمع الريفي – بجانب مشاهد صناعة الذهب وكتابته، إضافة إلى السيرة الذاتية لبيتوزيرس وألقابه الدينية مثل "عظيم الخمسة" و"الكاتب الملكي".
الإله تحوت والرموز المقدسة
أوضح المرشدون أن المقبرة تعود لـ"بادي أوزير" المعروف ببيتوزيرس، كبير كهنة إله الحكمة والمعرفة "تحوت" في الإقليم الـ15 (الأشمونين).
وتظهر النقوش ارتباطه الوثيق برموز الإله تحوت مثل قرد البابون وطائر الأيبس.
كلمات من قلب المقبرة
لم تكن الزيارة عابرة؛ إذ عبّر الفنان خميس عن ارتباطه بالمكان قائلاً:
«هنا موطني، وسأعود مرارًا لجمع المزيد من القصص وأقدمها بفني وثقافتي لكل مصري وللعالم».
وقد أطلق خميس بعدها مبادرة "مصر جميلة"، من خلال زيارات متكررة يصحبها تصوير فيديوهات تعريفية توثق ثراء حضارتنا وتروي حكاياتها للناس.
لمسة من طه حسين
لا تقتصر فرادة تونا الجبل على مقبرة بيتوزيرس وحدها، بل تحمل أيضًا ذكرى أدبية خالدة؛ إذ كانت مكان استراحة عميد الأدب العربي طه حسين، الذي اعتاد المشي يوميًا بين المقبرة ومقبرة "إيزادورا" شهيدة الحب، ليشعل الشموع في صمت الليل، تاركًا بصمة وجدانية لا تُفصل عن روح المكان.
بهذه الجولة، لم يزر الدكتور الفنان محمد خميس معلمًا أثريًا وحسب، بل جلب معه شغف الحكاية ووهج الفن، ليؤكد أن المنيا ليست مجرد أرض للتاريخ، بل مصدر إلهام متجدد يجمع بين الفن والتراث والروح الإنسانية.