رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

خشوع ضائع في زمن السرعة.. كيف نعيد الروح إلى الصلاة؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

رغم أن ملايين المسلمين حول العالم يلتزمون بأداء الصلاة في أوقاتها، يبقى السؤال الأعمق: هل نصلي بقلوبنا أم بأجسادنا فقط؟ فعدد الركعات والوقت لا يكفيان لقياس قيمة الصلاة، إنما الخشوع هو المعيار الحقيقي.

الخشوع، كما عرّفه ابن القيم، هو "قيام القلب بين يدي الله بالخضوع والذل"، وهو ثمرة معرفة العبد بربه وخشيته. وجعل القرآن الكريم الفلاح مرهونًا به:
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾.

لكن أين يقف المسلم اليوم أمام هذا المعيار؟


في زمن تتسابق فيه الإشعارات الرقمية والمهام المتراكمة ومشاكل الحياة اليومية على خطف انتباه الإنسان، أصبح حضور القلب في الصلاة تحديًا حقيقيًا.

الهاتف المحمول، الضجيج الإلكتروني، والضغط النفسي المستمر جعلت العقل معتادًا على التفكير السريع  وفي لحظات الوقوف بين يدي الله، يجد المصلي نفسه يصارع تيارًا من الأفكار المبعثرة.

في استطلاع للرأي بين مجموعة من المصلين، أقرّ أكثر من 70% بأنهم يعانون من "السرحان أثناء الصلاة"، بينما وصف آخرون صلاتهم بأنها أشبه بـ"واجب آلي بلا روح".

الأسباب النفسية والعقلية لغياب الخشوع

علماء النفس يرون أن ما يعانيه المصلون ليس مجرد "إهمال روحي"، بل له جذور نفسية مرتبطة بعصر السرعة.

يقول د. محمد الخطيب، استشاري علم النفس السلوكي: “المخ العصري أصبح مدربًا على التفكير اللحظي والاستجابة الفورية، بينما الخشوع يتطلب بطئًا داخليًا، ومراقبة للنفس، وحضورًا ذهنيًا كاملاً”.

هذا التناقض بين إيقاع الحياة السريع ومتطلبات الصلاة الهادئة يجعل الكثيرين يشعرون بالعجز عن تحقيق الخشوع.

هل الخشوع مهارة يمكن تعلمها؟

يرى علماء الشريعة والسلوك أن الخشوع ليس حالة عشوائية تُمنح للإنسان فجأة، بل هو مهارة روحية يمكن تنميتها بالتدريب. ومن أبرز الوسائل العملية التي يقترحونها:

1. فهم معاني الصلاة: تدبر الفاتحة والأذكار يعمّق الصلة بالله.
2. التهيئة قبل الصلاة: الابتعاد عن الضوضاء والشاشات لدقائق يمنح صفاءً ذهنيًا.
3. التأمل في الموت والآخرة: استحضار وصية النبي ﷺ: «صلّ صلاة مودّع».
4. الاستغفار قبل الصلاة: لتطهير القلب من شوائب الذنوب.
5. الصبر على المحاولات: فالخشوع يتفاوت، لكنه يزداد مع الاستمرار.

تجارب حية.. من الصلاة الشكلية إلى الصلاة بروح

يحكي أحمد (32 عامًا)، موظف في أحد البنوك: “كنت أصلي لسنوات وكأنني أؤدي واجبًا روتينيًا، حتى حضرت دورة عن معاني الفاتحة لأول مرة شعرت أنني أخاطب الله مباشرة، وتغيرت صلاتي جذريًا”.

أما سلمى، طالبة جامعية، فتقول: “أغلقت هاتفي قبل كل صلاة، وصرت أدوّن خواطري بعدها. تحولت الصلاة عندي من واجب ثقيل إلى لحظة أمان وراحة”.

هذه التجارب تكشف أن الخشوع ليس حلمًا بعيدًا، بل واقع يمكن استعادته بالمجاهدة والوعي.

ماذا يقول العلماء؟ صوت الشريعة في زمن الغفلة

الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية شددا مرارًا على أن الخشوع مقصد أساسي للصلاة.

ويقول الشيخ عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية: “من يصلي بلا خشوع كمن يقدم هدية فارغة الصلاة ليست مجرد حركات، بل روح ومعنى وتواصل مع الله”.

ورغم أن كثيرين يحمّلون التكنولوجيا مسؤولية ضياع الخشوع، يرى بعض الدعاة أن التقنية يمكن أن تكون عونًا، إذا استُخدمت في التذكير لا التشتيت: تطبيقات لتفسير الصلاة، مقاطع صوتية مؤثرة، وأذكار تساعد على الحضور القلبي.

الخشوع ليس رفاهية روحية، بل ضرورة وجودية لإنسان العصر المرهق بالسرعة والضغوط. فكلما استعاد المسلم خشوعه، استعاد توازنه الداخلي، وخرج من دائرة القلق المستمر.

وقد لخّص النبي ﷺ هذا المعنى بقوله: “إن الرجل لينصرف من صلاته وما كتب له إلا عشرها، تسعها، ثمنها… حتى نصفها”.

 

تم نسخ الرابط