رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

بين الشك واليقين.. الإلحاد يطرق أبواب الشباب العربي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

لم يعد الإلحاد بين الشباب العربي مجرد همس في الدوائر الضيقة أو تساؤلات عابرة داخل بعض العقول، بل أصبح يُطرح اليوم كقضية مجتمعية حساسة تمسّ الهوية الدينية والحضارية للأمة.

فبينما كانت المنطقة العربية تُعرف تاريخيًا بتشبّثها القوي بالدين، برزت في السنوات الأخيرة موجة من التشكيك والإنكار تحت مسمى "الإلحاد الجديد"، وهو مصطلح يشير إلى أنماط من التفكير الرافضة للمعتقدات الدينية.

هذه الظاهرة لا يمكن قراءتها بمعزل عن المتغيرات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تعصف بالعالم العربي، كما لا يمكن فهمها إلا من منظور الشريعة الإسلامية التي تضع حدودًا واضحة بين الإيمان والكفر، وتفتح في الوقت نفسه أبواب الحوار والتوبة أمام من تزلّ به قدمه في طريق الشك.

حجم الظاهرة: ما بين الواقع والتهويل

رغم الانتشار الإعلامي الكبير لقضية الإلحاد، يؤكد معظم الباحثين أن حجم الظاهرة في العالم العربي لا يزال محدودًا نسبيًا مقارنة بدول الغرب إلا أن المشكلة تكمن في سرعة انتشارها بين فئة الشباب الجامعي والمتأثرين بالثقافة الرقمية.

بعض الدراسات الغربية تذكر أن نسبة "الملحدين أو اللادينيين" في بعض البلدان العربية لا تتجاوز 1-2%، بينما تشير تقديرات أخرى قد تكون مضخمة إلى نسب أعلى في دول تعاني من أزمات سياسية أو اجتماعية.

الواقع الشرعي يُحذر من الانسياق وراء هذه الأرقام دون تمحيص، لأن كثيرًا من الشباب الذين يصفون أنفسهم بـ"الملحدين" يعيشون لحظات من الشك المؤقت، لا تصل إلى حد الكفر العقدي الراسخ.

وهنا يبرز التوجيه القرآني الدقيق: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: 7]، وهو وصف ينطبق على من ينجذب إلى الشبهات دون رسوخ في العلم أو العقيدة.


أسباب ظهور الإلحاد الجديد بين الشباب:

1. قصور الخطاب الديني التقليدي: كثير من الشباب لا يجدون إجابات مقنعة عن أسئلتهم الوجودية في بعض منابر الوعظ التي تكتفي بالترهيب أو العاطفة.


2. تأثير الفلسفات الغربية: الفكر المادي والعلماني الذي يُسوَّق عبر الإعلام يقدّم "العقل" كمصدر وحيد للمعرفة، متجاهلًا الوحي، مما يوقع الشباب في صراع داخلي.


3. غياب القدوة: حين يرى الشباب فجوة بين المبادئ الدينية المعلنة والتصرفات العملية لبعض المنتسبين إلى الدين، ينشأ عندهم شك في المنظومة كلها.

وقد أشار القرآن الكريم إلى خطورة اتباع الظن والتقليد الأعمى، فقال: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: 116].

الأسباب النفسية والاجتماعية: الانكسار والاغتراب

الإحباط واليأس: يعيش جيل من الشباب العربي تحت وطأة البطالة، القمع، وانعدام العدالة، ما يجعله يرى في الإلحاد "خلاصًا نفسيًا" من الألم.

المحن الشخصية: فقدان الأحبة أو التعرض للكوارث قد يدفع البعض للتساؤل: "أين رحمة الله؟"، فيدخل في دائرة الشك.

العزلة وضعف الروابط الأسرية: ضعف التربية الإيمانية في البيوت والمدارس، وغياب الحوار مع الوالدين، يفتح الباب أمام البحث في فضاءات الإنترنت غير المنضبطة.

الإعلام الجديد: المنصات الرقمية تُقدّم الإلحاد بلغة سهلة، وشعارات جذابة، وأحيانًا في قالب ساخر يُغري الشباب المتمرد على التقاليد.

المنظور الإسلامي: تمييز بين الكفر والشك

الشريعة الإسلامية تنظر للإلحاد باعتباره كفرًا صريحًا إذا أنكر صاحبه وجود الله تعالى، لقوله تعالى: ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [إبراهيم: 10].

لكنها أيضًا تفرّق بين:

الشك المؤقت أو التساؤل: وهو ما قد يعتري بعض الشباب الباحث عن الحقيقة، فلا يُعَد كفرًا إذا كان نابعًا من طلب البرهان.

الإلحاد المعلن والمستمر: وهو جحد وجود الله والآخرة، وهذا كفر مخرج من الملة.


وفي السنة النبوية جاء قول النبي ﷺ: «يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينتهِ» [رواه البخاري ومسلم].
وهذا الحديث يوضح أن الشكوك قد تكون وساوس لا تُخرج من الدين ما دام صاحبها يرفضها ويستعيذ بالله منها.

مقاربة شرعية لمواجهة الإلحاد الجديد

التعامل مع الظاهرة لا يكون بالتكفير أو الإقصاء، بل بالجمع بين حزم الشريعة ورحمتها:

1. الحوار العقلي والبرهان الشرعي: استخدام أسلوب القرآن في الجدال العقلي، مثل قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور: 35].

2. إحياء التربية العقدية: التركيز على تعليم أصول العقيدة والتوحيد منذ الصغر، بطريقة تربط العقل والقلب معًا.


3. التجديد في الخطاب الديني: تقديم الدين بلغة تناسب العصر، دون تفريط أو إفراط، مع الاستعانة بالعلم والمعرفة الحديثة لإظهار انسجام الوحي مع العقل.


4. الاحتواء بدل الطرد: من وقع في الشك يحتاج إلى صدر رحب وحوار صادق، لا إلى التوبيخ أو السخرية.


5. تعزيز القيم العملية للإسلام: إظهار الإسلام كدين عدل ورحمة، لا مجرد طقوس، حتى يراه الشباب حلًا لأزماتهم لا جزءًا من مشكلاتهم.

الإلحاد عرض لأزمة أعمق

ظاهرة الإلحاد بين الشباب العربي لا تعني بالضرورة تراجعًا كاسحًا للإيمان، بقدر ما تعكس أزمات فكرية ونفسية واجتماعية وهي دعوة ملحّة إلى المؤسسات الدينية والعلماء والدعاة كي يعيدوا بناء خطاب ديني يجمع بين قوة الحجة ودفء الرحمة.

فالإسلام دين العقل كما هو دين القلب، وقد جمع بين البرهان العقلي والوحي الإلهي، ليكون علاجًا للشبهات والأوهام.

وكما قال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا﴾ [الأنعام: 104].

 

تم نسخ الرابط