هل تكتمل الصلاة بالفاتحة فقط؟ خلاف الفقهاء يكشف الحقيقة

أجمع الفقهاء على أن سورة الفاتحة هي الركن الأساسي في الصلاة، وأنها لا تسقط عن المصلي في أي ركعة من ركعاته وقد جاء النص النبوي الصريح في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»
[رواه البخاري ومسلم].
وهذا الحديث جعل العلماء يجزمون بأن الصلاة لا تُقبل من مسلم لم يقرأ الفاتحة، سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، في صلاة فرض أو نافلة، في السر أو الجهر فهي السورة الجامعة التي لُخص فيها الدين كله: حمد الله وتمجيده، وإفراده بالعبادة، وطلب الهداية والثبات على الصراط المستقيم.
السورة بعد الفاتحة.. سنة مؤكدة لا تبطل الصلاة بتركها
رغم أن بعض العامة يظنون أن الصلاة لا تكتمل إلا بقراءة سورة بعد الفاتحة، إلا أن الفقهاء بيّنوا أن ذلك من السنن المؤكدة وليس من الأركان ويستدلون بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
«من قرأ بأم الكتاب فقد أجزأت عنه، ومن زاد فهو خير»
[رواه البخاري ومسلم].
الإمام النووي رحمه الله علّق على هذا الحديث قائلاً: "فيه دلالة واضحة على أن الفاتحة هي الركن الأساسي، وما زاد عليها فهو مستحب لا واجب" ولهذا اتفقت المذاهب الأربعة على أن قراءة سورة بعد الفاتحة سنة مؤكدة في الركعتين الأوليين من الصلاة فقط، أما في باقي الركعات فيُكتفى بالفاتحة وحدها.
المذاهب الأربعة
الحنفية: يرون أن قراءة سورة بعد الفاتحة سنة مؤكدة في ركعتين من الفرض وفي جميع ركعات النفل ومن تركها فصلاته صحيحة لكنه ترك سنة.
المالكية: يؤكدون أنها سنة مؤكدة في الركعتين الأوليين فقط، سواء في فرض أو نفل، جهرًا أو سرًا.
الشافعية: يعتبرون أن قراءة السورة بعد الفاتحة سنة مؤكدة أيضًا، ولا فرق عندهم بين صلاة فرض أو نفل.
الحنابلة: يذهبون إلى أنها سنة مؤكدة في الركعتين الأوليين فقط، وأن الاقتصار على الفاتحة لا يبطل الصلاة.
إذن فالمذاهب متفقة في الجوهر، وإن اختلفت في بعض التفاصيل الدقيقة، لكنها كلها تُجمع على أن الاكتفاء بالفاتحة وحدها لا يُفسد الصلاة
من هدي النبي ﷺ أن بعض الصلوات تُقرأ فيها الفاتحة والسورة جهرًا، وأخرى سرًا:
الجهرية: الفجر والمغرب والعشاء.
السرية: الظهر والعصر.
فهل تبطل الصلاة إذا خالف المصلي ذلك؟ يوضح ابن قدامة في المغني:
«فإن جهر في موضع الإسرار، أو أسر في موضع الجهر، ترك السنة، وصحت صلاته».
أي أن الصلاة صحيحة، لكنه ترك السنة النبوية، وحُرم من فضلها. فإن كان ذلك عن سهو أو عذر فلا حرج، وإن كان عمدًا فقد قلّ ثوابه.
البعد الروحي.. لماذا فرضت الفاتحة دون غيرها؟
لم تكن الفاتحة مجرد ركن تعبدي، بل هي المدخل الروحي للصلاة، ولذلك سميت "أم الكتاب" و"السبع المثاني".
فهي تبدأ بالحمد والثناء على الله: الحمد لله رب العالمين.
وتُرسخ صفات الرحمة والعدل: الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين.
وتؤكد التوحيد: إياك نعبد وإياك نستعين.
وتنتهي بدعاء جامع: اهدنا الصراط المستقيم.
هذه المضامين جعلت الفاتحة أساس الصلاة، فلا يخلو منها ركوع ولا سجود ولا قيام، ليبقى العبد في اتصال دائم بربه من خلال هذه الكلمات الجامعة.
من الناحية الفقهية، من اكتفى بالفاتحة فقط فصلاته صحيحة، لكنه فوّت على نفسه فضل قراءة السورة بعدها، وفضل اتباع سنة النبي ﷺ أما من جمع بين الفاتحة والسورة، وأدى الجهر والإسرار في موضعهما، فقد حاز صحة الصلاة وكمالها في آن واحد.
ولذلك يؤكد العلماء أن المسلم اليوم يجب أن يحرص على تحقيق صحة الصلاة أولًا بالفاتحة، ثم طلب كمالها بالسنن، فلا يُهمل السورة بعدها، ولا يستهين بمواضع الجهر والإسرار، لأنها كلها من دلائل الاقتداء برسول الله ﷺ.