رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

بين الخوف والرجاء.. الإيمان طريق النجاة من التطرف واليأس

تعبيرية
تعبيرية

في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة ويختلط فيه الحابل بالنابل، يجد كثير من المسلمين أنفسهم في حالة اضطراب داخلي بين الخوف المفرط من الله واليأس من رحمته، أو الرجاء الزائف في مغفرته دون عمل هذا التذبذب قد يؤدي إلى التشدد أو التطرف، أو الإغراق في الذنوب تحت وهم "أن الله غفور رحيم" دون توبة صادقة أو عمل صالح.

أكدت النصوص القرآنية والسنة النبوية أن التوازن الإيماني لا يتحقق إلا حين يسير العبد إلى الله بجناحين اثنين: الخوف والرجاء، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "القلب في سيره إلى الله تعالى كطائر، رأسه المحبة، وجناحاه الخوف والرجاء، فإذا سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، وإذا قطع الرأس مات الطائر، وإذا فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد".

ويقول الله تعالى في سورة الحجر: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾، وهي الآية الجامعة لهذا التوازن، فلا مغالاة في الطمع، ولا هلاك في القنوط.


التطرف بين الإفراط والتفريط

ظهر في مجتمعاتنا نمطان مقلقان من التدين:

النمط الأول: متدين يخشى الله لدرجة تعزله عن الناس والدنيا، ويغرق في تأنيب الذات، حتى يصل إلى "الاكتئاب الديني"، وهي حالة يغيب فيها الرجاء، فيتوقف العمل، وتُستنزف الطاقة النفسية في جلد الذات.

النمط الثاني: آخر يسبح في بحر من المعاصي، لكنه مطمئن بعبارات مثل: "الله غفور رحيم"، أو "نيتي صافية"، متناسيًا أن الله قال أيضًا: ﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾.

وفي كلا الحالتين، يغيب الاتزان وتُحجب البصيرة.

يشير علماء النفس إلى أن غلبة مشاعر الخوف غير المتوازن تؤدي إلى ما يعرف بـ"الوسواس القهري الديني"، وهو اضطراب يعاني فيه الشخص من أفكار دينية ملحّة حول الطهارة، أو النية، أو العقاب الإلهي، وقد تدفعه تلك الأفكار إلى العزلة، أو تكرار العبادات بشكل مرضي.

في المقابل، فإن طغيان الرجاء دون خوف قد يؤدي إلى ما يُعرف بالاستحقاق الأخلاقي الزائف، حيث يرى الإنسان نفسه في مأمن من العقوبة لمجرد أنه "يصلي" أو "يصوم"، متناسيًا العمل الصالح الحقيقي، والمراقبة المستمرة للنفس.

بين الخوف والرجاء.. كيف نعيش التوازن؟

السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نصل إلى التوازن الحقيقي في علاقتنا بالله؟

فقه التوحيد الصحيح
الإيمان لا يقوم على الخوف وحده أو الرجاء وحده، بل على معرفة الله بأسمائه وصفاته فالله هو الرحمن الرحيم، وهو في الوقت ذاته العزيز الجبار المنتقم.

القرآن مملوء بآيات الرحمة كما هو مملوء بآيات العذاب من يقتطع آية دون سياقها يخدع نفسه. والواجب أن نتلو القرآن بعين التلميذ الذي يتعلم، لا بعين القاضي الذي يختار ما يناسب مزاجه.

ومن وسائل التوازن أن يحيا الإنسان في بيئة تحفّزه على العمل، وتُذكّره بالآخرة، دون أن تُدخله في فوبيا العذاب أو جحيم جلد الذات وهنا تأتي أهمية الدروس الإيمانية، والمجالس العلمية، وسير الصالحين.

رسول الله قدوتنا في التوازن

عاش النبي صلى الله عليه وسلم النموذج الأوضح لهذا التوازن. فكان إذا مر على قبر بكى، وإذا بشره أحد بالجنة ابتسم، وإذا سمع مؤذنًا يدعو للصلاة سكن قلبه، وإذا سمع خبر المنافقين أو الكافرين اشتد وجهه غضبًا لله.

وفي دعائه المشهور: "اللهم إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل"، جمع الخوف والرجاء في آنٍ واحد.

لا تكن ضحية "دين مزاجي"

في زمن السوشيال ميديا، أصبح الدين "وجبة خفيفة" على تيك توك أو ريلز إنستجرام، يخضع لأهواء الناس لا لنصوص الوحي. 

البعض ينشر مقاطع تخيف الناس من النار وتدفعهم إلى الهلع، وآخرون ينشرون مقاطع تبرر كل خطيئة بدعوى أن "ربك غفور حليم".

بين هؤلاء وأولئك، يضيع الجيل، وتُختزل الرحلة إلى الله في جملة مبتورة أو انطباع خاطئ.

طمأنينة السائرين إلى الله

العبد المؤمن لا يعيش في رعب، ولا ينام على غرور إنه في حالة يقظة دائمة، يحاسب نفسه، ويرجو رحمة ربه، ولا ييأس من روحه، ولا يأمن مكره.

تم نسخ الرابط