مشهد مهيب في القاهرة.. وزراء الشؤون الإسلامية يقبّلون رأس الإمام الأكبر

في لحظة ستبقى محفورة في ذاكرة الحاضرين، شهد اللقاء الذي جمع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بعدد من وزراء الشؤون الإسلامية ورؤساء المجامع الفقهية في العالم الإسلامي، موقفًا استثنائيًا حين أقبل الضيوف على تقبيل رأسه، في مشهد مهيب جمع بين المهابة الروحية والاحترام العلمي.
لم يكن هذا التصرف عفويًا فحسب، بل كان تعبيرًا عن الامتنان لرجل حمل أمانة الدعوة الوسطية، ودافع عن ثوابت الإسلام في المحافل العالمية، وجسّد القيم الأصيلة للأزهر الشريف على مدار سنوات قيادته.
احترام يتجاوز حدود البروتوكول
تقبيل الرأس في الثقافة الإسلامية ليس مجرّد فعل أدبي، بل هو إشارة إلى التسليم بمكانة صاحب العلم وفضله وفي هذا اللقاء، جاءت المبادرة من شخصيات تمثل مؤسسات إسلامية كبرى، ما أضفى على الموقف بعدًا دوليًا ورسالة مفادها أن الأزهر ما زال المرجعية الكبرى التي يلتف حولها المسلمون من مشرق الأرض إلى مغربها.
كما حملت هذه اللفتة رسالة ضمنية بأن القيادة العلمية والدينية لا تُقاس بالمناصب السياسية، بل تُبنى على رصيد من المواقف المبدئية والعطاء الفكري.
على مدار سنوات قيادته للأزهر، حافظ الدكتور أحمد الطيب على ثوابت المؤسسة العريقة، مع انفتاح مدروس على قضايا العصر، فقد دعا إلى الحوار بين المذاهب الإسلامية، وأكد على أهمية احترام التنوع الفقهي، وحذّر من مخاطر الفكر المتطرف الذي يسيء لصورة الإسلام.
كما شارك في قمم دينية عالمية، وأجرى لقاءات مع قادة الكنائس والديانات الأخرى، ليؤكد أن الأزهر يحمل رسالة سلام عالمية دون أن يفرّط في الثوابت الشرعية.
تشاور فكري لمواجهة التحديات
ضم اللقاء نخبة من الوزراء ورؤساء المجامع الفقهية، الذين جاؤوا للتشاور حول أبرز القضايا التي تواجه الأمة الإسلامية، من تراجع الوعي الديني إلى تنامي الفكر المتطرف، ومن قضايا الفتوى المعاصرة إلى ضرورة تطوير الخطاب الدعوي.
كان النقاش منصبًا على إيجاد صيغة مشتركة لتعزيز التعاون بين المؤسسات الدينية، وتبادل الخبرات في مجال الإفتاء، وإيجاد حلول عملية للتحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية في الداخل والخارج.
جذور تقليد تقبيل رأس العلماء في التراث الإسلامي
يعود تقليد تقبيل رأس العلماء إلى عصور الإسلام الأولى، حيث وردت في السيرة النبوية مواقف تحث على توقير أهل العلم وأهل الفضل.
وقد روي أن الصحابة والتابعين كانوا يقومون للعالم إذا دخل المجلس، ويقبلون يده أو رأسه تقديرًا لعلمه وتقواه وفي كتب التراث، نجد مواقف عديدة لتلاميذ كبار الأئمة كالإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وهم يبدون احترامهم البالغ لمشايخهم.
وفي الأزهر تحديدًا، ظل هذا التقليد حيًا، حيث كان الطلاب والعلماء على مر القرون يُظهرون تقديرًا خاصًا للمشايخ الكبار، ويعتبرون ذلك جزءًا من أدب طلب العلم.
مشاهد تاريخية لتوقير شيوخ الأزهر عبر العصور
الإمام محمد الخضر حسين
في أول لقاء جمعه بكبار العلماء ووزراء الدول الإسلامية، قام الحاضرون بتقبيل رأسه ويده، اعترافًا بدوره في الحفاظ على هوية الأزهر واستقلاليته.
الإمام عبد الحليم محمود
خلال زيارته للسعودية، استقبله كبار العلماء في الحرم المكي بتقبيل رأسه، تقديرًا لعلمه وزهده ومواقفه الثابتة.
الإمام جاد الحق علي جاد الحق
أثناء زيارته لإندونيسيا، أصرّ رئيس الجمهورية وكبار العلماء على تقبيل رأسه أمام الحضور، في اعتراف بمكانة الأزهر كحصن للأمة.
الإمام محمد سيد طنطاوي
في مؤتمر رابطة العالم الإسلامي، اصطف كبار العلماء من مختلف الدول لمصافحته، وقام عدد منهم بتقبيل رأسه أمام وسائل الإعلام.
الإمام أحمد الطيب
شهدت لقاءاته الدولية مواقف مشابهة، أبرزها في الإمارات عام 2016، وصولًا إلى المشهد الأخير الذي جمعه بوزراء ورؤساء المجامع الفقهية، والذي جاء أكثر رمزية لأنه ضم قيادات فكرية متنوعة.
رسالة الوحدة التي بعثها المشهد
هذا الموقف المؤثر بعث برسالة إلى العالم الإسلامي مفادها أن مكانة العلماء ما زالت قادرة على جمع القلوب، حتى في زمن تتعدد فيه الانقسامات السياسية والفكرية.
وجسّد اللقاء روح التضامن الإسلامي، وأكد أن وحدة الصف تبدأ من توحيد المرجعية العلمية والروحية.
كما عكس المشهد صورة مشرقة للأزهر كمؤسسة قادرة على مد جسور الثقة بين الشعوب الإسلامية، وتقديم قيادة فكرية وروحية تليق بتاريخ الأمة.
الأزهر الشريف.. منارة علمية وروحية عبر العصور
على مدار أكثر من ألف عام، لعب الأزهر الشريف دورًا محوريًا في نشر الإسلام الوسطي، والحفاظ على التراث الفقهي، وتخريج أجيال من العلماء الذين انتشروا في أصقاع الأرض.
واليوم، يقف شيخ الأزهر على رأس هذا الصرح، حاملاً إرثًا ثقيلًا من المسؤولية، ومؤكدًا أن رسالة الأزهر لا تقتصر على مصر، بل تمتد لتشمل العالم الإسلامي كله.