رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

مفتي تونس: الذكاء الاصطناعي لخدمة الشريعة ومصر سند لفلسطين

مؤتمر الأوقاف
مؤتمر الأوقاف

 

في مشهد علمي وفكري يجمع بين تراث الفتوى العريق وآفاق المستقبل التكنولوجي، ألقى الشيخ هشام بن محمود، مفتي الجمهورية التونسية، كلمة مؤثرة أمام جلسة الوفود بالمؤتمر الدولي العاشر للإفتاء، المنعقد تحت عنوان: "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"، والذي تنظمه دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم.


الذكاء الاصطناعي.. فرصة حضارية أم تحدٍّ شرعي؟

استهل مفتي تونس كلمته بالتأكيد على أن العالم يعيش اليوم في مرحلة من التطور التقني غير المسبوق، حيث تتسابق العقول البشرية لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في كل مجالات الحياة، من الطب إلى الفضاء، ومن الاقتصاد إلى الإعلام، وصولًا إلى مجالات الفقه والإفتاء.

وشدد على أن السؤال الأهم الذي يواجه علماء الشريعة اليوم ليس هل نستخدم الذكاء الاصطناعي؟، بل كيف نستخدمه؟، موضحًا أن التحدي الحقيقي يكمن في جعل هذه التقنية أداة تخدم مقاصد الدين والشريعة، لا أن تتحول إلى أداة تهدم القيم وتطمس الهوية.

وأشار إلى أن مقاصد الشريعة الإسلامية  التي تشمل حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال  تمثل البوصلة التي يجب أن توجه مسار الذكاء الاصطناعي، بحيث يكون متوافقًا مع المبادئ التي أرسى دعائمها النبي محمد ﷺ قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا.

طرح الشيخ هشام بن محمود فكرة إنشاء ميثاق أخلاقي عالمي للذكاء الاصطناعي، تتبناه المؤسسات الدينية والعلمية، ليكون مرجعًا يحدد حدود الاستخدام المشروع لهذه التقنيات، ويمنع انزلاقها نحو مجالات تضر بالإنسانية.

وأوضح أن الذكاء البشري، بما فيه من قدرة على الفهم السريع واتخاذ القرار الرشيد، يجب أن يظل هو القائد الذي يوجه الذكاء الاصطناعي، لا العكس، محذرًا من أن ترك هذه التقنيات بلا ضابط قد يفتح أبوابًا لا تُحمد عقباها، سواء في مجال الفتوى أو في مجالات الحياة الأخرى.


المؤتمر التاسع والمهمة الجديدة للمؤتمر العاشر

ذكّر مفتي تونس الحضور بأن المؤتمر التاسع لدار الإفتاء المصرية، الذي تناول موضوع "الفتوى والبناء الأخلاقي"، جاء في وقت كانت الأمة الإسلامية تواجه تحديات أخلاقية كبيرة، أما المؤتمر العاشر فيأتي في زمن الذكاء الاصطناعي، وهو ما يتطلب من العلماء والمفتين أن يجمعوا بين الأصالة والمعاصرة، وأن يستفيدوا من التقنيات الحديثة مع الالتزام بالثوابت الشرعية.

وأضاف أن صناعة المفتي في هذا العصر لم تعد مقصورة على الحفظ والاطلاع، بل صارت تتطلب فهمًا عميقًا للأدوات الرقمية وكيفية توظيفها لخدمة الدين، مع الحذر من الوقوع في فخ الاعتماد الكلي على الآلة دون رقابة فكرية وروحية.


في جزء مؤثر من كلمته، انتقل مفتي تونس إلى الحديث عن معاناة الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، واصفًا ما يعيشه أهلها بأنه "أبشع حصار مدمر لم تشهد البشرية مثله من قبل".

ودعا إلى وحدة الصف الإسلامي وتكاتف الجهود لرفع المعاناة عن الفلسطينيين، مؤكدًا أن المسجد الأقصى سيظل راية إيمان وعزة، وأن تحريره مسؤولية الأمة كلها، وليس قضية تخص شعبًا واحدًا.

مصر.. قلعة العروبة والإسلام في نصرة فلسطين

لم يفت الشيخ هشام بن محمود أن يشيد بالدور المصري التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، معتبرًا أن مواقف مصر  قيادةً وشعبًا  تمثل نموذجًا في الدفاع عن قضايا الأمة، وخاصة القضية الفلسطينية التي وصفها بأنها "قضية الأمة المركزية".

واختتم كلمته بعبارة حملت مزيجًا من الإيمان والعزيمة:
"ستبقى مصر شامخة عالية الهمة، وأرجو الانتصار الكامل لهذا الشعب الأبي"، مشددًا على أن هذا الموقف المصري ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لمواقف ممتدة عبر التاريخ في نصرة الحق ومواجهة العدوان.

تحمل كلمات مفتي تونس رسائل عدة؛ أولها أن المستقبل الديني والفكري للأمة لن يُصان إلا إذا وُجهت التقنيات الحديثة  وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي  لتخدم مقاصد الشريعة، وثانيها أن الفتوى في العصر الرقمي تحتاج إلى عقل بشري واعٍ، يدمج بين العلوم الشرعية وفهم الواقع الرقمي، وثالثها أن المعركة الأخلاقية والفكرية لا تقل أهمية عن أي معركة سياسية أو ميدانية.

 

تم نسخ الرابط