رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

مراهقات في زمن العولمة.. الإسلام بين التحصين والتحدي

أرشيفية
أرشيفية

لم تعد المراهقة فترة هدوء واستكشاف داخلي، بل تحولت إلى ميدان صاخب للرسائل المتناقضة والقيم المستوردة، فتيات صغيرات يجدن أنفسهن أمام عالم مفتوح، تتعدد فيه النماذج وتختلط فيه المعايير، حيث يتحدث "التيك توك" أكثر من الأم، وتؤثر "ريلز إنستجرام" أعمق مما تفعل نصيحة الأب.

في هذا التقرير، يصبح التساؤل: كيف تحمي الفتاة المسلمة نفسها من تيارات التغريب؟ كيف يتم  تقديم نموذج جاذب ومُطمئِن للمراهقات وسط هذا الصخب؟

وسائل التواصل الاجتماعي تحوّلت من وسيلة ترفيهية إلى مصنع ضخم لتشكيل السلوك وتحديد الاهتمامات باتت الفتاة المراهقة عرضة يومية لما يزيد عن ألف رسالة مرئية ومسموعة، بين "فلوجر" غربي يستعرض نمط حياته، ومؤثرة تنشر مفاهيم مائعة عن الهوية والحرية والنسوية كل ذلك يحدث في ظل غياب الوعي النقدي وفي وقت حساس نفسيًا، حيث تسعى المراهقة لاكتشاف ذاتها فيحدث تآكل تدريجي لقيم الحياء والانتماء، وتبلور مفاهيم مشوّهة عن الاستقلالية والنجاح.

الهوية الإسلامية بين التشويش والتمويه

يشهد الواقع حالات متزايدة لفتيات يشعرن بالاغتراب الديني والثقافي، يتحدثن العربية ويتبعن عادات أسرية محافظة، لكنهن داخليًا أقرب إلى الثقافة الغربية في رؤيتهن للمرأة والعلاقات والمستقبل يقول الدكتور أحمد عبد الخالق، الباحث في قضايا الشباب، إن "الهوية الإسلامية تتعرّض اليوم لأسلوب جديد من التشكيك لا يعتمد على المواجهة، بل على التهميش فبدلاً من الهجوم على الدين، يتم الترويج لما هو غير ديني وكأنه البديل الطبيعي".

الإسلام لا يواجه التغريب بمجرد النصيحة أو التحذير، بل بمنهج تربوي عميق يشبع الحاجات النفسية والروحية للمراهقة فهو يقدم نموذجًا متوازنًا للأنثى، يجمع بين العفّة والكرامة، وبين الطموح والرضا تتأسس هذه التربية من خلال:

زرع المعنى قبل الحكم: تعليم الفتاة أن الحجاب ليس لباسًا فقط، بل رسالة وهوية.

الحوار بدل الأمر: مشاركة المراهقة في الفهم والمقارنة، بدل فرض السلوكيات دون تفسير.

التدرّب على المقاومة الهادئة: تعليم مهارات التفكير النقدي، والتمييز بين الحقيقي والمصطنع.

دور الأسرة: الدفء العاطفي أول خط دفاع

كشفت دراسة لجامعة القاهرة أن 68% من الفتيات المراهقات اللواتي تأثرن بخطابات التغريب كن يعانين من فجوة تواصل عاطفي مع أسرهن، الأسرة ليست مجرد حارس أخلاقي، بل يجب أن تكون حضنًا دافئًا وحوارًا مفتوحًا ومنبرًا للاستماع تقول الدكتورة نجلاء النجار، المتخصصة في الإرشاد النفسي الأسري: "المراهقة تحتاج إلى مَن يفهم غضبها لا من يخافه، وإلى من يحتضن أسئلتها لا من يُدينها".

العلماء والدعاة: أين خطابكم من هموم الفتيات؟

الخطاب الدعوي التقليدي كثيرًا ما يغيب عن احتياجات الفتيات المعاصرات عبارات الوعيد أو المبالغة في المثاليات لا تنجح في مخاطبة فتاة تعيش في عصر الواقعية والانفتاح نحن بحاجة إلى دعاة يفهمون لغة المراهقين، يستخدمون المنصات الحديثة، ويتحدثون من قلب الواقع ويُشيد في هذا السياق ببعض المبادرات الشبابية الدعوية التي نجحت عبر "البودكاست" و"الريلز القصيرة" في إعادة تقديم المفاهيم الإسلامية بأسلوب جذّاب وتفاعلي.

مؤسسات دينية.. هل حان وقت المبادرة الرقمية؟

المؤسسات الدينية ما زالت تتحرك ببطء أمام ديناميكية خطاب التغريب، في وقت أصبحت فيه "الريلز" أسرع من الفتوى، ومحتوى "المؤثرة" أكثر مشاهدة من محتوى العالم على هذه المؤسسات أن تتحوّل من رد الفعل إلى المبادرة، ومن المنبر التقليدي إلى الوجود الفاعل على السوشيال ميديا، دون المساس بالهيبة والمرجعية.

رغم قوة الطوفان، هناك نماذج مضيئة لفتيات مسلمات تمسّكن بهويتهن في مواجهة عواصف التغريب فاطمة، فتاة في السادسة عشرة من العمر، تحكي كيف قررت ارتداء الحجاب عن اقتناع رغم أن أغلب زميلاتها يرفضنه تقول: "قرأت كثيرًا، وشاهدت فيديوهات لداعيات شابات، وأدركت أن هويتي ليست ضد الحرية بل هي التي تعطيها المعنى الصحيح". فاطمة ليست حالة استثنائية، بل جزء من موجة فتيات جدد يؤمنّ بأن التمسك بالدين ليس انسحابًا من العالم، بل وقوفٌ شامخ وسط صخبه.

إن معركة التغريب ليست معركة مع الغرب ذاته، بل مع خيوط خفية تُنسَج حول الوعي في صمت المراهقة المسلمة اليوم لا تحتاج إلى جدران منع، بقدر ما تحتاج إلى مساحات فهم، وبيئة راعية، وأمثلة ملهمة حينها فقط، تستطيع أن تمرّ في هذه المرحلة الحساسة دون أن تفقد هويتها، وتبني مستقبلها بثقة تجمع بين الانتماء والانفتاح، بين الإيمان والطموح.

 

تم نسخ الرابط