رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

الأزهر ووكالة الفضاء يطلقان مشروعًا فقهيًّا لمعالجة نوازل الفضاء المعاصرة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في سابقة علمية وفقهية تُعد الأولى من نوعها في العالم الإسلامي، أعلن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف عن إطلاق مشروع بحثي ضخم لدراسة النوازل الفقهية المرتبطة بأحكام الفضاء، بالتعاون مع وكالة الفضاء المصرية، في خطوة تؤكد قدرة الفقه الإسلامي على التفاعل مع الواقع العلمي المتغير ومواكبة تحديات المستقبل، حتى تلك التي تنطلق إلى ما وراء كوكب الأرض.

من المقرر تدشين المشروع في فعالية علمية كبرى تُعقد يوم الثلاثاء المقبل، بحضور نخبة من القيادات الدينية والعلمية، في مقدمتهم كبار علماء الأزهر، وممثلو وكالة الفضاء المصرية، وسط اهتمام متزايد بفقه العصر والبيئات غير الأرضية التي باتت واقعًا لا خيالًا.

علماء الشريعة يلتقون بروّاد الفضاء

تكتسب الفعالية أهمية خاصة نظرًا

لحضور عدد من الرموز العلمية والدينية في مصر، يأتي في مقدمتهم:

فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف ورئيس مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء،

فضيلة الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية،

فضيلة الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية،

الدكتور شريف صدقي، الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية،

الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية ونائب رئيس مركز الأزهر العالمي للفلك.
ويعكس هذا الحضور تنسيقًا مؤسسيًا عالي المستوى بين الجهات الشرعية والمؤسسات العلمية، بما يكرّس ثقافة الاجتهاد المؤسسي التكاملي، ويؤسس لمرحلة جديدة من الفقه المعاصر الذي يتعامل مع القضايا التقنية الحديثة بمسؤولية علمية وشرعية

المشروع الجديد.. رؤية فقهية تُحلق خارج حدود الأرض

في تصريحات رسمية، أكد الدكتور محمد الجندي أن المشروع يُعدّ محطة مهمة في تاريخ الفقه الإسلامي، إذ يُجسّد مرونته وقدرته على مواكبة تطورات العلم والتكنولوجيا، لافتًا إلى أن الأزهر الشريف، بتاريخه الممتد لأكثر من ألف عام، لا ينكفئ على الماضي بل يواكب الحاضر ويستشرف المستقبل.

وأوضح أن المشروع لن يقتصر على دراسات نظرية، بل سيتناول قضايا تطبيقية وفتاوى حيوية تتعلق بتفاصيل دقيقة في بيئات غير أرضية، مثل:

كيفية أداء الصلوات الخمس في الفضاء في ظل انعدام الجاذبية أو تغير مواقيت الزمن،

تحديد اتجاه القبلة في المركبات الفضائية أو المحطات المدارية،

ضبط مواقيت الصيام والإفطار عند الدوران حول الأرض في أقل من 24 ساعة،

الأحكام المرتبطة بـالزواج والطلاق والمعاملات المالية في بيئات الفضاء،

فقه الطهارة في ظل غياب المياه ووسائل التطهر التقليدية.


وأشار الجندي إلى أن مشاركة المسلمين في برامج الفضاء الدولية لم تعد أمرًا بعيدًا، بل واقعًا ملموسًا، وهناك نماذج بالفعل شاركت في مهمات علمية خارج الأرض، مما يفرض ضرورة توفير مرجعية شرعية موثوقة تعينهم على أداء العبادات والمعاملات وفقًا لأحكام الإسلام.

وأكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أن المشروع يستند إلى منهجية علمية صارمة، تقوم على التكامل بين الفقه الإسلامي والعلوم التطبيقية، من خلال لجان مشتركة تضم علماء الشريعة والفلك والفيزياء والهندسة، لإنتاج فقه مؤسسي دقيق يعكس روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وفي الوقت ذاته يُقدّم حلولًا عملية تتناسب مع تعقيدات البيئات الفضائية.

وأضاف أن الأزهر، عبر هذا المشروع، يبعث برسالة واضحة مفادها أن الإسلام لا يقف في وجه التقدم العلمي، بل يسعى لتوجيهه أخلاقيًا وروحيًا، في توازن دقيق بين المادة والروح، التقدم والثبات، الحرفية والمقاصد.

الفقه الفضائي.. من فرض الكفاية إلى واجب الوقت

وأوضح الدكتور الجندي أن فقه النوازل في الفضاء لم يعد ترفًا علميًا أو اجتهادًا افتراضيًا، بل أصبح ضرورة شرعية مع تسارع المشروعات الفضائية ومشاركة المسلمين فيها، بل وتنامي التطلعات الدولية لإنشاء مستعمرات بشرية على القمر والمريخ، مؤكدًا أن الإسلام لا يعرف الجمود، بل يملك من المرونة ما يجعله صالحًا لكل زمان ومكان، حتى ولو كان خارج الأرض.

وشدد على أن المشروع يأتي في إطار تحقيق فريضة الاجتهاد في كل ما يُستجد من نوازل، مشيرًا إلى أن علماء الأزهر سيعملون على صياغة إجابات شرعية دقيقة وواضحة للمسلمين في برامج استكشاف الفضاء، بما يحقق التوازن بين الالتزام الديني والواقع العلمي.

أكد الدكتور الجندي أن المشروع الجديد يُعيد التأكيد على الدور الحضاري للأزهر الشريف، بوصفه منارة علمية كبرى في العالم الإسلامي، وقادر على التجديد والانفتاح على كل القضايا، حتى تلك التي قد يظن البعض أنها بعيدة عن دوائر الفقه التقليدي.

وأضاف أن هذه المبادرة تُسهم في تعزيز صورة الإسلام كدين عالمي لا تنحصر أحكامه في الأرض فحسب، بل تمتد إلى حيثما وُجد الإنسان، سواء في أعماق البحار أو في أعالي الفضاء، معتبرًا أن المشروع بمثابة استعادة للدور الريادي للفقه الإسلامي في صياغة العلاقة بين الإنسان والكون.

بهذا المشروع، لا يكتفي الأزهر الشريف بلعب دور "المرجع الديني"، بل يتجدد ليصبح شريكًا في صناعة المستقبل، ويعيد تعريف دور الفقيه ليكون قائدًا للوعي الكوني، لا مجرد حافظٍ للتراث، مشاركًا في مواجهة التحديات الفكرية والعلمية، وقادرًا على إنتاج خطاب فقهي عالمي يخاطب الإنسان المعاصر بلغته وهمومه.

وتفتح هذه الخطوة الباب أمام مشروعات بحثية مستقبلية تتناول قضايا مثل الذكاء الاصطناعي، الهندسة الوراثية، أخلاقيات الروبوت، وغيرها من المستجدات، بما يجعل الأزهر في قلب العالم الرقمي والفضائي، حارسًا للقيم والهوية


في زمنٍ تتسارع فيه العلوم، ويُعاد فيه تشكيل مفهوم الإنسان والمكان، يُثبت الأزهر أنه لا يزال في قلب المشهد، حاضرًا بعلمه وفكره واجتهاده، يؤصّل الدين للواقع، ويضبط حركة التطور بالثوابت، دون أن يُقصي العقل أو يُعطّل النص.

 

تم نسخ الرابط