يسرية لوزا ساويرس.. سيدة الأعمال التي أعادت تعريف الثروة في مصر
أم المليارديرات وصانعة العدالة الاجتماعية.. من هي يسرية ساويرس؟

على مدار أكثر من أربعين عامًا، لم تكن يسرية لوزا ساويرس فقط جزءا من واحدة من أكبر العائلات الاقتصادية في مصر، بل كانت ركيزة مشروع اجتماعي بدأ من قاع المجتمع المصري، ووصل إلى قوائم التكريم العالمي.
صانعة العدالة الاجتماعية
ورغم أن اسمها ارتبط في وعي الجمهور بلقب "أم المليارديرات الثلاثة"، إلا أن سيرة يسرية تتجاوز أدوارها العائلية، لتكشف عن تجربة نادرة في تحويل العمل الاجتماعي إلى مؤسسة، والثروة إلى التزام، والهامش إلى مركز.
ولدت يسرية في ديسمبر 1935 بمدينة منفلوط في محافظة أسيوط. لم تكن تنتمي إلى عائلة ثرية، لكنها نشأت في بيت يؤمن بقيمة التعليم. والدها ناصف لوزا، كان محاميا وصاحب أرض زراعية، أرسلها إلى كلية التجارة بجامعة القاهرة، ثم واصلت دراستها لتحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية.
يسرية لوزا ساويرس
في سن الثالثة والعشرين، تزوجت من أنسي ساويرس، مؤسس شركة أوراسكوم. كانت البداية صعبة؛ تأميم الدولة لشركته الأولى دفعه للانتقال إلى ليبيا والعمل من جديد. لم تكن شريكة حياة فقط، بل شريكة قرار، دعمت، خططت، وأدارت بصمت، لكن يسرية لم تكتف بلعب دور خلف الستار، بل بدأت منذ السبعينيات مشوارًا خاصًا بها، لا يحمل اسم أحد غيرها.

في عام 1979، اختارت أن تتدخل بشكل مباشر في دعم مجتمع "الزبّالين" في القاهرة. لم تكن الزيارة عابرة، بل بداية لمشروع طويل المدى لإعادة التدوير وتمكين المجتمعات الهامشية، وعلى مدار السنوات، تحوّلت هذه المبادرة إلى واحدة من أوائل الشركات المنظمة لإدارة النفايات في مصر، وأُطلق عليها لاحقًا "ارتقاء"، الشركة التي أصبحت موردًا فعليًا للمخلفات المصدّرة إلى الخارج، ومنها إلى الصين تحديدًا.
كان لهذا المشروع أبعاد تتجاوز الربح. لقد قدّمت من خلاله نموذجًا للاقتصاد الدائري قبل أن يتحوّل إلى خطاب عالمي، في وقت كانت فيه النفايات قضية صامتة، حولتها ساويرس إلى فرصة اقتصادية وبيئية واجتماعية، وكان ذلك المنهج هو ما ستحمله معها لاحقًا في تأسيس مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية عام 2001.
رئاسة مجلس أمناء هذه المؤسسة لم تكن منصبًا فخريًا، بل موقع قيادة حقيقي، تحت إشرافها، انتقلت المؤسسة من مجرد داعم إلى شريك فعلي في التنمية، تعمل وفق منهج قائم على الأدلة، وتستثمر في التعليم، والصحة، والتمكين الاقتصادي، ما يميز عملها أن كل تدخل يتم وفق معايير صارمة، من حيث التخطيط، والمخرجات، وقابلية التكرار والتقييم.

اختارت المؤسسة أن تعمل بالتعاون مع الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لتصميم وتنفيذ مشروعات مستدامة. وبمرور السنوات، أصبحت إحدى أكثر المؤسسات احترامًا في الحقل التنموي المصري، واستطاعت أن تترك أثرًا ملموسًا في مناطق لم تصلها يد السياسات العامة لعقود.
يسرية ساويرس لم تغب عن المجال السياسي أيضًا، شغلت عضوية مجلس الشعب بين عامي 1995 و2000، وكانت قبلها المدير المالي لمؤسسة فورد في القاهرة طوال السبعينيات. وبصفتها سيدة أعمال، تولت رئاسة مجلس إدارة شركة تحسين الخدمات المتكاملة وإعادة التدوير.
أما في محيطها العائلي، فقد حرصت منذ البداية على أن يتربى أبناؤها نجيب وناصف وسميح على قيم العمل والمسؤولية، وفي أحد تصريحاته، قال نجيب ساويرس إن والدته كانت تطلب منهم التبرع بهداياهم القديمة في أعياد الميلاد للأطفال الفقراء، لم يكن الأمر دعائيًا، بل تربية عملية على معنى المشاركة.
ولعل واحدة من أبرز ملامح تأثيرها الإنساني تأتي في "منحة يسرية لوزا ساويرس"، التي تُقدَّم من خلال المؤسسة، وتمنح الفرصة لطلاب مصريين متميزين للدراسة في كلية هوبرت همفري للشؤون العامة بجامعة مينيسوتا الأمريكية، لا تستهدف المنحة فقط التعليم العالي، بل إعداد كوادر قادرة على مواجهة تحديات مثل الفقر، وسوء الحوكمة، والأمن الغذائي، والتغير المناخي، عبر منظور تنموي شامل.

ورغم تجنبها الإعلام، نالت يسرية في مايو 2025 اعترافًا دوليًا باختيارها ضمن أول قائمة تصدرها مجلة "تايم" لأهم مائة شخصية في العالم في مجال العمل الخيري، لم تكن لحظة احتفال بقدر ما كانت تأكيدًا على أن التجارب الجادة، حتى وإن بدأت من الظل، يمكن أن تفرض حضورها حين تُبنى على رؤية صلبة، وإرادة متماسكة، واستمرار لا يعرف الاستعراض.