سباق بلا مضمار: كيف صنعت «النيل للتطوير العقاري» سمعتها قبل أن تبني مترا؟

في الوقت الذي تتسابق فيه شركات التطوير العقاري لتقديم إنجازات حقيقية على الأرض، يلفت اسم "النيل للتطوير العقاري" الانتباه ليس بما أنجز، بل بما يُروّج له من وعود كبيرة وصور براقة لمشروعات عملاقة لم تكتمل بعد، فمن تايكون تاور الذي وُصف بأنه "أعلى فندق في أفريقيا"، إلى أبراج لم تخرج من تحت الترخيص، تواصل الشركة حديثها عن الريادة والاستدامة.
هذا هو المسار الذي يبدو أن شركة النيل للتطوير العقاري اختارته، بقيادة المهندس محمود طاهر، الذي لا يكف عن التحدث عن مطلحات فضفاضة، لكن الواقع على الأرض وفق مراجعة "تفصيلة" يكشف صورة مختلفة.
شعارات رنانة
منذ إعلان الشركة نيتها بناء مشروع "تايكون تاور"، الذي رُوّج له على أنه "أطول فندق في أفريقيا" ومرورًا بإطلاق "نايل بيزنس سيتي"، تتصدر الشركة عناوين الصحف والمؤتمرات دون أن تُقابل هذه الضجة بإثبات فعلي على أرض المشروع، كما لا تزال الأبراج في مرحلة التراخيص أو الحفر الأولي، بينما الأرقام التي تروج لها الشركة عن مليارات مبيعات في ساعات، تُطلق دون تفاصيل، دون إفصاحات، ودون مستندات واضحة.

خبرة غير مختبرة في مجال غير معتاد
شركة النيل لم يُعرف عنها سابقًا أي مشروعات عملاقة في قطاع الأبراج الشاهقة ، وهو مجال معقد يتطلب سنوات من الخبرة والمشاريع المنفذة، لكنها قررت الدخول مباشرة في أعلى نقطة ممكنة، وهو مشروع متعدد الأبراج، بارتفاع يتجاوز 50 طابقًا، بإدارة فندقية دولية، وفي قلب الداون تاون.
الكثيرون من الخبراء العقاريون ومتخصصي العقارات عبر السوشيال ميديا طرحوا عددا من الأسئلة التي لا يوجد لها إجابات واضحة، ومن بينها :" أين الخبرة السابقة؟ من المقاول الرئيسي؟ ما هي خطة التشغيل؟ ما زمن التنفيذ؟"، لكن حتى الآن لا تملك الشركة سابقة أعمال واحدة في هذا النوع من المشروعات، سوى الطموح العالي والتسويق المدفوع.
بناء اسم قبل بناء المشروع
رغم أن النيل شركة تأسست في 2002، إلا أن ظهورها الإعلامي المكثف بدأ مع انتقالها إلى العاصمة الإدارية الجديدة، حيث أطلقت حملات دعائية ضخمة، شاركت في معارض دولية، تعاقدت مع كيانات إعلامية، ووقعت اتفاقات رعاية رياضية، إلا أن المفارقة أن كل هذا جاء قبل أن تُنهي الطابق الأول من ناطحاتها، فضلا عن تصدير اسمها للخارج قبل أن تُثبت أساسه في الداخل.

تضارب في الخطاب المالي
في أحد تصريحاته، قال محمود طاهر: "نمتلك سيولة كافية ولا نعتمد على التمويل البنكي"، لكن لاحقًا، طالبت الشركة بـ"مهلة لتوفيق الأوضاع" بسبب تكاليف البناء المرتفعة، وبين التصريح والتطبيق، تظهر فجوة لا تليق بشركة تقول إنها تُخطط لبناء "أيقونة عمرانية".
من الجمهور المستهدف؟
يبدو من أسعار "تايكون" و"بيزنس سيتي" أن "النيل" تخاطب شريحة مستثمرين دوليين أو محليين فاحشي الثراء، فسعر المتر يقترب من 170 ألف جنيه، في الوقت الذي تعاني فيه السوق من تباطؤ حاد في الفئات المتوسطة، وهنا يظهر التناقض كيف تقول الشركة إنها تبني مجتمعات متكاملة، بينما لا تمتلك مشروعًا واحدًا للفئة المتوسطة؟
في النهاية، ما تقوم به "النيل" يشبه كثيرًا من الشركات التي تُعلن خطتها التسويقية قبل خطة تنفيذها، وتصنع سمعتها قبل أن تثبتها، ورغم أن الرؤية المستقبلية مهمة، إلا أن السوق العقاري خاصة في مشروعات ناطحات السحاب لا يرحم من يخطئ في الحسابات.