«بطاقة ورقية».. رواية إسلام ماضي تكشف المجهول وراء بطاقة الهوية

صدرت حديثًا عن دار نيسان للنشر والتوزيع رواية جديدة بعنوان "بطاقة ورقية" للكاتب إسلام ماضي، وذلك ضمن إصدارات الدار المشاركة في معرض الإسكندرية للكتاب المقام بمكتبة الإسكندرية.
في مطلع رواية "بطاقة ورقية"، يُهدي الكاتب إسلام ماضي عمله إلى "روح أخيه الطاهرة أيمن مسعود، طبيب الغلابة"، مستحضرًا شخصًا حقيقيًا كان رمزًا للعطاء الصامت والبطولة اليومية.
الإهداء لا يمثل فقط تحية لأخٍ رحل، بل إعلان عن روح إنسانية تحكم العمل بأكمله — رمز للخدمة، والتضحية، والوجود الهادئ الذي لا يلفت الانتباه، لكنه يتغلغل في نفوس الأحياء.
"هل يمكن أن أعيش حياة أخرى؟ أن أستبدل هذه الحياة بأخرى أكثر أناقة تناسبني كما يُفصَّل ثوب الزفاف؟"
"أشد أنواع الغربة هو ما تشعر به في وطنك" ، بهذه العبارة، يلخّص نجيب محفوظ جوهر رواية "بطاقة ورقية" للكاتب إسلام ماضي، والتي تحكي صميم صراع شخصية تختار الهروب من هويتها الأصلية لتخلق ذاتًا جديدة، فتصبح "غريبة" حتى على نفسها.
في عالمٍ مشحون بالقلق والاضطراب، ووسط سطوة التفاصيل اليومية التي تطمس الملامح وتكسر الأسماء، تخرج إلينا رواية "بطاقة ورقية" للكاتب إسلام ماضي كعملٍ أدبي جريء، يطرح سؤالًا وجوديًا: هل يمكن للإنسان أن يهرب من اسمه، ومن صورته، من حياته بالكامل؟ وهل يمكن لحادث غرق عابر أن يصبح بداية حياة جديدة، لا يشبه فيها الإنسان نفسه؟
الرواية تنطلق من مشهد مأساوي يقع على شاطئ النخيل بالعجمي، حيث يُعلن عن غرق شابين، أحدهما يُدعى أيمن، والآخر مجدي. لكنها ليست حادثة غرق تقليدية؛ بل مفتاحٌ لحبكة محكمة، تبدأ من مأساة وتنتهي في متاهة: متاهة هوية مزيفة، وماضٍ دفين، ورغبة جامحة في الاختفاء.
يقرر أحد الشخصيات – أيمن – أن ينسلخ من حياته القديمة بكل ما تحمله من ألم وفقد وفقر، ويبدأ حياة جديدة باسم مختلف وصورة مختلفة، بعدما يستغل وظيفته في مصلحة السجل المدني للحصول على بطاقة هوية مزورة له ولصديقه مجدي.
ومن هنا، تتحول البطاقة الورقية إلى رمزٍ مرعب: بطاقة قد تمنحك فرصة حياة جديدة، لكنها قد تكون أيضًا بداية الغرق في ظلال لا متناهية من الكذب والشكوك والتهديدات.
تمتاز "بطاقة ورقية" بنص تأملي (داخلي) يعج بالتأملات. يتساءل البطل عن جدوى الحياة، وعن معنى أن "يكون موجودًا"، في مجتمع لا يلاحظ وجود أحد إلا إن اختفى.
يستنطق إسلام ماضي أبطال العمل فيقول :
"أعدكم أيها القوم أنني سأختفي، سأختفي مثل سحابة صغيرة سقطت مطرًا في صحراء جرداء، فامتصّتها الرمال، ولم يبقَ لها أثر."
هذه اللغة العميقة لا تنفصل عن السرد بل تتغلغل فيه، فتجعل من الرواية مرآة لما يشعر به كثير من الناس في ظل عالم مضغوط لا يرحم المختلفين ولا يعترف بآلامهم.
شخصيات الرواية
أيمن مسعود: موظف بسيط، مكسور الحياة، يقرر فجأة أن يموت في حياة ليولد في أخرى. شخصٌ هشّ لكنه حاد الذكاء، يتلاعب بالوثائق ليحيا من جديد.
مجدي مهران: شريك الخطة، يعيش حياة زوجية مزرية، ويشعر أنه بلا قيمة، فيوافق على فكرة "الاختفاء" ليصبح شخصًا آخر.
محسن المنشـاوي: شخصية أكثر تعقيدًا، تعمل في تجارة الخضار وقطع غيار السيارات، لكنه متورط في عمليات تهريب دولية مريبة، وسرعان ما ينزلق إلى عالم خطير يهدد حياته وحياة أسرته.
سعاد: زوجة مجدي، امرأة لعوب، تسهم في تحطيم شخصية زوجها، وتثير تعاطف القارئ حينًا واحتقاره أحيانًا.
الرواية تعيد تعريف "البطل"، ليس باعتباره ذلك القوي المغوار، بل الضعيف الذي يحاول النجاة.
تقوم الرواية على ثلاث مسارات متداخلة:
حادثة الغرق وبدايات الاختفاء.
تفاصيل الحياة الجديدة والهروب من الماضي.
التورط في عالم الجريمة والتهريب.
اللغة السردية تتراوح بين الفصحى السلسة واللهجة العامية في الحوار، ما يمنح النصّ حيوية وواقعية. كما أن الوصف دقيق، يحمل نكهة سينمائية تجعل من الرواية مادة خصبة للتحويل إلى عمل درامي أو فيلم.
"بطاقة ورقية" ليست فقط وثيقة هوية، بل رمزٌ لكل ما يثبت الوجود رسميًا، وكل ما يقيد الإنسان داخل قوالب السلطة والبيروقراطية. البطاقة هي الماضي الذي لا يُنسى، والمستقبل الذي لا يبدأ إلا بتمزيقها.
الرواية تلتقط روح اللحظة الحالية، حيث كثيرون يهربون من هويتهم بسبب الفقر، أو البطالة، أو الفشل العاطفي، أو الجريمة. في زمن التحولات الرقمية، تأتي الرواية كصفعة: ماذا يعني أن تبقى "بطاقتك ورقية" بينما العالم أصبح رقميًا بالكامل؟ وهل يمكن للإنسان أن يختفي تمامًا في ظل تقنيات المراقبة والرقمنة؟
"بطاقة ورقية" عمل أدبي ذكي وواقعي، يحمل في طياته سؤالًا فلسفيًا شائكًا:
"هل نحن موجودون فعلًا... أم مجرد نسخ مكررة تبحث عن اختفاء مناسب؟"
إنها ليست رواية للترفيه فقط، بل عمل يحفر في عمق النفس، ويدعو القارئ لإعادة النظر في أبسط ما يملكه: اسمه، صورته، وحياته.
إسلام ماضي، كاتب مصري بارز من مواليد عام 1977، ينحدر من إحدى قرى محافظة المنوفية بدلتا جمهورية مصر العربية، وحاصل على ليسانس آداب وتربية تخصص لغة إنجليزية من جامعة المنوفية عام 1998.
يتميز ماضي بأسلوبه الروائي الذي يمزج ببراعة بين رصد البيئة الريفية ومناقشة قضايا أهلها، ضمن إطار بوليسي مشوق، مما يجعله أحد الأصوات المميزة في الساحة الأدبية المصرية.
تضم قائمة أعماله الروائية "للحياة سبعة أوجه" و"زرنيخ 122" و"الغريقة"، بالإضافة إلى أحدث أعماله "80 يوم في جلاسكو". أعماله معروفة بقدرتها على جذب القارئ وإبقائه في حالة ترقب، مما يجعلها غالبًا ما تُصنف ضمن "روايات الجلسة الواحدة" التي يصعب التوقف عن قراءتها قبل نهايتها، مقدمًا صورة حية للمجتمع الريفي ومعالجًا قضاياه بحبكة درامية مثيرة ومؤثرة.