بعد الإيجار القديم.. الحكومة تقترب من حسم ملف الزواج الثاني للمسيحيين

في الوقت الذي تتجه فيه الحكومة لحسم واحد من أكثر الملفات الاجتماعية جدلًا، وهو قانون الإيجار القديم، يبرز في الخلفية ملف آخر لا يقل تعقيدًا أو حساسية، وهو ما عُرف إعلاميًا بـ"الزواج الثاني للمسيحيين" أو قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين.
فبين نصوص دينية لا تسمح بالانفصال، ومنازعات قانونية تستمر لسنوات، ومحاولات للتحايل عبر تغيير الطائفة أو الديانة، تقف آلاف الأسر المسيحية في انتظار قانون جديد يعيد ترتيب القواعد ويمنحهم حلولًا قانونية متزنة.
تشريع طال انتظاره
لم يكن للمسيحيين في مصر قانون موحد ينظم شؤون الزواج والطلاق منذ عقود، بل خضعت هذه العلاقات للوائح قديمة، أبرزها لائحة عام 1938، التي صدرت عن المجلس الملي للكنيسة الأرثوذكسية، وكانت تتيح الطلاق في تسع حالات، وهو ما أثار اعتراض الكنيسة خلال العقود الأخيرة.
وبعد مفاوضات امتدت لأكثر من خمس سنوات، وقّعت الكنائس والطوائف المسيحية المعترف بها في مصر (الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية وسواها) على مشروع قانون موحد للأحوال الشخصية، أعدته وزارة العدل، وأُحيل إلى مجلس الوزراء تمهيدًا لعرضه على البرلمان.
القانون يقطع الطريق على التحايل
من أبرز ملامح القانون الجديد أنه يحسم ما بات يُعرف بـ"مافيا تغيير الملة"، إذ اعتاد بعض المسيحيين التحايل للحصول على الطلاق ثم الزواج مجددًا بتغيير الطائفة أو حتى الديانة، خاصة بالتحول إلى الشريعة الإسلامية.
القانون الجديد يحسم هذا المسار بوضوح: "لا طلاق نتيجة لتغيير الملة"، فالقضايا تُفصل بناءً على الطائفة التي تم فيها الزواج الأول، حتى وإن غيّر أحد الطرفين طائفته لاحقًا.
ووفقًا لتصريحات القس رفعت فتحي، ممثل الكنيسة الإنجيلية في لجنة إعداد القانون، فإن هذا النوع من التحايل لم يعد قابلًا للتطبيق بعد الآن.
الزواج الثاني تحت سلطة الكنيسة
رغم أن القانون يمنح المحاكم حق إصدار أحكام الطلاق في حالات محددة مثل الزنا، أو السجن طويل الأمد، أو الهجر، فإن التصريح بالزواج الثاني يظل بيد الكنيسة، وتحديدًا الطائفة التي تم فيها الزواج الأول، بمعنى أن حتى بعد صدور حكم قضائي، لا يمكن لأحد الطرفين الزواج مرة أخرى دون موافقة كنسية.
وفي هذا السياق، شدد الأنبا بولا، مطران طنطا والمسؤول عن ملف الأحوال الشخصية بالكنيسة الأرثوذكسية، على أن "الزواج في الكنيسة هو سر مقدس لا يُحل إلا لعلة الزنا الواضحة"، مؤكدًا أن التصريح بالزواج الثاني يُمنح فقط للطرف البريء.
ملف اجتماعي شائك
يُعد الزواج الثاني للمسيحيين أحد أكثر القضايا المثيرة للجدل في الأوساط الحقوقية والدينية. فهناك آلاف الحالات المعلقة في المحاكم أو بانتظار تصاريح كنسية لا تصدر، بينما لجأ البعض إلى تغيير ديانتهم أو مغادرة البلاد، وآخرون يعيشون في زيجات مدنية غير معترف بها كنسيًا، مما يخلّف آثارًا قانونية ونفسية على الأسرة والأبناء.
وبحسب القائمين على المشروع، فإن القانون يهدف إلى تقنين هذه الأوضاع دون الإخلال بالعقيدة، فهو يحتوي على أكثر من 60 مادة مشتركة بين المسيحيين والمسلمين، تتناول مسائل ما بعد الطلاق كالرؤية والنفقة، كما يسمح باستخدام الوسائل التكنولوجية لتنظيم رؤية الأطفال، ويوثق ملحقًا بعقد الزواج لتحديد الحقوق والواجبات، بما في ذلك قائمة المنقولات.
توحيد القضاء والدين
يمثّل مشروع القانون محاولة دقيقة للفصل بين ما هو ديني وما هو قانوني. فالقاضي يحكم بناء على الشهادات والقرائن لإثبات الزنا أو الضرر، فيما تحتفظ الكنيسة بحقها في تقييم الحالة الروحية ومنح التصريح بالزواج الثاني، وهي معادلة دقيقة تحترم الشرائع الدينية وتخفف العبء عن القضاء المدني الذي كان يتعامل مع زيجات لم تُحسم كنسيًا.
الخطوة التالية.. البرلمان
حتى الآن، لم تُحدَّد جلسة برلمانية لمناقشة القانون، خاصة مع اقتراب نهاية دور الانعقاد، إلا أن مصادر برلمانية أكدت أن مشروع القانون يأتي ضمن أولويات الدورة التشريعية المقبلة.
ونقلت المصادر في تصريحات لموقع "تفصيلة" أن هذا القانون "ضرورة طال انتظارها، لحل مشكلات حقيقية في حياة آلاف الأسر المسيحية".