رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

لكسر النفوذ الأمريكي.. مبادرة أوروبية لطرح منظمة بديلة عن "التجارة العالمية"

شعار منظمة التجارة
شعار منظمة التجارة العالمية

اقترحت قيادة الاتحاد الأوروبي والمستشار الألماني فريدريش ميرتس في خطوة استراتيجية تحمل دلالة سياسية كبيرة، إطلاق مبادرة أوروبية لإنشاء منظمة بديلة (WTO).

ويهدف هذا التوجه إلى التغلب على الحصار الأمريكي المفروض عليها، والذي أوقف معظم آليات العمل داخل المنظمة.

وأثارت المبادرة تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين ضفتي الأطلسي، وتعد بمثابة تحول في السياسة التجارية العالمية.

مأزق منظمة التجارة العالمية

منذ سنوات، تواجه منظمة التجارة العالمية أزمة هيكلية تمثلت في تعطيل النظام القضائي المعني بتسوية النزاعات التجارية بسبب معارضة الولايات المتحدة لتعيين قضاة في المحكمة العليا لمنظمة التجارة العالمية.

وقد بدأ الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما هذا التعطيل في آخر سنوات حكمه، وواصلت كل الإدارات الأمريكية اللاحقة على اختلاف توجهاتها السياسة نفسها.

وكان سبب هذا الإجراء معارضة واشنطن لقرارات المحكمة التي اعتبرت أنها لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة، ما أدى إلى شلل شبه كامل في آلية التحكيم والفصل في النزاعات.

ورغم أن هذا الإجراء كان نتيجة لتوجهات الولايات المتحدة، إلا أنه أدى إلى تراجع دور منظمة التجارة العالمية كمنتدى لتسوية الخلافات التجارية بين الدول الكبرى.

لذلك، بات الاتحاد الأوروبي وألمانيا في موقف يتطلب إيجاد بديل فعال يساعد في ضمان استقرار الأسواق العالمية وتعزيز التجارة المفتوحة.


دعوة لتشكيل بديل دون الولايات المتحدة

في 27 يونيو 2025، عرضت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والمستشار الألماني فريدريش ميرتس فكرة التحول نحو تشكيل منظمة تجارية بديلة تأخذ مكان منظمة التجارة العالمية في بعض الأبعاد الأساسية مثل تسوية النزاعات التجارية.

ويستهدف هذا البديل التغلب على تعطيل الولايات المتحدة لجهاز التحكيم في منظمة التجارة العالمية.

وأشار ميرتس إلى أن هذه الفكرة ما زالت في مراحلها الأولى، لكنها تهدف إلى أن تشمل آليات لحل النزاعات كما هو الحال في منظمة التجارة العالمية.

وبينما يتمثل السبب الرئيس للمبادرة في تعطيل النظام القضائي لمنظمة التجارة العالمية، فإن الاتحاد الأوروبي وألمانيا يأملان في تشكيل منظمة بديلة تؤكد على التجارة الحرة والمفتوحة في العالم، وتعيد ترتيب أولويات النظام التجاري العالمي.

آراء الخبراء


ويرى يورجن ماثِس، الخبير في سياسة التجارة الدولية في المعهد الاقتصادي الألماني في كولونيا (IW)، أن المبادرة الأوروبية تشكل خطوة استراتيجية هامة في عدة جوانب.
وأشار إلى أن "تقديم الاتحاد الأوروبي طلبًا رسميًا للانضمام إلى CPTPP (اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ) سيكون خطوة هامة، لا سيما أنه سيوجه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة بأن سياساتها الحمائية تعزلها عن باقي دول العالم التي تواصل تحرير التجارة".

وأضاف ماثِس أن هذه المبادرة ستسهم في تشكيل "اتفاقية تجارية ضخمة بين عدة اقتصادات كبرى"، حيث ستكون أوروبا هي الكتلة الأكبر.

مواقف مثيرة للجدل


ومع ذلك، فإن هذه المبادرة الأوروبية ستكون خالية من الصين في البداية، حيث يرى ماثِس أن "الصين لا تلتزم بقواعد المنافسة العادلة"، موضحًا أن هدف الاتحاد الأوروبي في هذا السياق هو تشكيل تحالف تجاري استراتيجي يعالج القضايا الملحة في التجارة العالمية، مثل الحمائية الأمريكية، والتشوهات السوقية الناتجة عن الدعم الصناعي الصيني الذي لا تعالجه القواعد الحالية لمنظمة التجارة العالمية.

أما ديرك ياندورا، رئيس اتحاد التجارة الألماني (BGA)، فقد أشار إلى أن تشكيل تحالف جديد قد يخلق انقسامات في التجارة العالمية.

ففي تصريح له، قال ياندورا: "يجب ألا نسمح بتجزئة التجارة العالمية إلى كتل متنافسة تحمل قواعد مختلفة". وأكد أن هذه المنظمة الجديدة يجب أن تكون "حلًا انتقاليًا"، موجهًا نحو إصلاح منظمة التجارة العالمية، وليس استبدالها.

سيناريوهات محتملة

وستستبعد هذه المبادرة في البداية الصين، التي يتم انتقادها من قبل العديد من الخبراء بسبب عدم التزامها بقواعد المنافسة العادلة.

فحتى وإن كانت الصين تعتبر لاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد العالمي، إلا أن سلوكها التجاري ودعمها الصناعي قد يؤدي إلى تشوه الأسواق العالمية، وفق الأوروبيين.

ويعتقد ماثِس أن هذه السياسات الصينية هي أحد الأسباب التي تجعل الاتحاد الأوروبي يستبعدها في هذه المرحلة. وأضاف: "منظمة التجارة العالمية الحالية لا تعالج هذه المشاكل، ما يستدعي اتخاذ خطوات أكثر صرامة".

من جانب آخر، ورغم أن الولايات المتحدة لن تكون جزءًا من هذا التحالف الجديد، فإن الاتحاد الأوروبي يأمل في إبعاد واشنطن عن سياساتها الحمائية، ويهدف إلى "تحقيق مزيد من تحرير التجارة والوصول إلى أسواق جديدة".
وقال دبلوماسي أوروبي إن المسألة بالغة الخطر في هذا الوضع قد تتمثل في أن يعيد ترامب النظر في التزاماته تجاه الدفاع الأوروبي، ويتساءل لماذا يجب على الأمريكيين أن يدفعوا ثمن حماية الدول التي تحاربهم تجاريا.

وتشير مبادرة الاتحاد الأوروبي وألمانيا لتشكيل منظمة تجارية جديدة إلى تصاعد التوترات بين الحلفاء التقليديين عبر الأطلسي.

وبينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تشكيل تحالف تجاري جديد، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مدى تأثير هذه المبادرة على العلاقات الدولية، خاصة فيما يتعلق بمستقبل التعاون بين أوروبا والولايات المتحدة، وإقصاء الصين من النظام التجاري العالمي.

تم نسخ الرابط