ذهب إفريقيا.. مرتزقة وجماعات مسلحة ينهبون كنوز الساحل

في عام 2025، ارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات تاريخية، لكن لمعان المعدن الأصفر يُخفي وراءه واقعًا أكثر قتامة في قلب أفريقيا، حيث تشكّل مناجم الذهب في دول الساحل — بوركينا فاسو ومالي والنيجر — ليس فقط رئة اقتصادية للحكومات العسكرية، بل أصبحت أيضًا شريانًا يغذي الصراعات، ويؤجج نشاط الجماعات المسلحة، في واحدة من أكثر المناطق هشاشة على الخريطة الدولية.
وبحسب مجلس الذهب العالمي، تُنتج الدول الثلاث مجتمعة نحو 230 طنًا من الذهب سنويًا، ما يعادل أكثر من 15 مليار دولار، فيما يشير محللون إلى أن الرقم الحقيقي قد يكون أعلى بكثير بسبب انتشار عمليات التعدين اليدوي غير المرخص. لكن السؤال الأهم: من يستفيد من كل هذا الثراء؟
القليل جدًا من عائدات الذهب يصل إلى شعوب هذه البلدان"، يؤكد الدكتور أليكس فاينز من مركز "تشاتام هاوس" في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، موضحًا أنه رغم أن ملايين السكان يعيشون في فقر مدقع، تُستخدم إيرادات الذهب في تمويل الحملات العسكرية ضد التمردات الجهادية، أو لدفع أجور مرتزقة مثل مجموعة فاغنر الروسية.
لقد أصبح الذهب "النفط الجديد" في صراعات الساحل، ويُستخدم كمقابل مباشر للخدمات الأمنية والعسكرية. ففي مالي، شكّلت الحكومة تحالفات غير معلنة مع "فاغنر"، فيما دخل "فيلق أفريقيا" التابع لروسيا في تدريبات داخل بوركينا فاسو. وعلى الأرض، يتقاسم أمراء الحرب وعصابات التهريب السيطرة على المناجم غير الشرعية.
ووسط هذا الصراع، يبقى عمال المناجم اليدوية الحلقة الأضعف. يقول عامل في منجم بمنطقة كيدال (شمال مالي) لـ BBC: في يوم العمل الجيد، أكسب 10 آلاف فرنك أفريقي، أي أقل من 20 دولارًا. رغم ارتفاع أسعار الذهب عالميًا، الربح يذهب لغيرنا.
ورغم وجود محاولات دولية لمراقبة تجارة الذهب، مثل معايير جمعية سوق السبائك في لندن (LBMA)، فإن الذهب الأفريقي غالبًا ما يُصهر مباشرة في الإمارات، ويُعاد تصديره كسبيكة أو مجوهرات، دون إمكانية لتتبع مصدره. فلا توجد تقنية شبيهة بـ "الحمض النووي" لتحديد أصول الذهب كما هو الحال في الماس.
وبينما يُمنع تداول "الماس الدموي" بفضل عملية كيمبرلي، لا يزال "الذهب الدموي" يتسرّب إلى الأسواق العالمية. ووفقًا للأمم المتحدة، فإن جزءًا كبيرًا من هذا الذهب يأتي من مناجم تسيطر عليها جماعات مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، في منافسة شرسة مع الحكومات المحلية.
وفي ظل انعدام الوظائف، وتغيّر المناخ، والعزلة السياسية، يظل الذهب في دول الساحل نعمة ونقمة في آنٍ واحد؛ إذ تحوّل من مورد وطني إلى لعنة إقليمية. وبينما ترتفع أسعاره في بورصة لندن، يتعمق الفقر، وتتسع الحرب، ويُسكب الذهب على جراحٍ لا تندمل.