طالبة الهندسة ضحية لقمة العيش.. شيماء تودّع الحياة على الطريق الإقليمي

شيماء طالبة الهندسة ضحية حادث الطريق الإقليمي.. في قرية كفر السنابسة بمحافظة المنوفية، كانت هناك فتاة تُدعى "شيماء"، تحمل قلبًا بحجم السماء، شابة عشرينية ذات ملامح هادئة، لكن بداخلها عاصفة من الطموح والإصرار.
كان حلمها بسيطًا: أن تصبح مهندسة، وأن ترى أسرتها فخورة بها يوم تخرجها، وأن تهدي والدتها شهادة تليق بتعب السنين.
لكن الطريق إلى الحلم كان طويلًا ومرهقًا، وفي لحظةٍ، أصبح هذا الطريق هو نهاية الرحلة ونقطة الوداع، بعد أن لقيت مصرعها مع 17 فتاةً أخرى من بنات قريتها في حادث مأساوي على الطريق الإقليمي بالمنوفية، حين اصطدمت سيارة نقل بالميكروباص الذي كنّ يستقلنه في طريقهن إلى العمل.
شيماء لم تكن فتاة عادية
لم تكن شيماء كأي فتاة في عمرها، بل كانت الطالبة المثابرة في كلية الهندسة، تلك الكلية التي حلمت بها طويلًا وتحدّت من أجلها كل صعوبات الحياة.
لم تولد وفي فمها ملعقة من ذهب، بل نشأت في أسرة بسيطة تعرف قيمة الجنيه وطعم الكفاح. ولهذا قررت شيماء أن تتحمل نصيبها من التعب، وأن تعمل خلال الإجازة لتخفف العبء عن أسرتها.
صباح الرحيل
استيقظت شيماء صباح أمس الجمعة قبل شروق الشمس.. توضأت.. صلت.. ورفعت يديها للسماء بدعوات صادقة: "يا رب بارك لي في وقتي، وقوّني، وحقق لي حلمي".
كانت تخرج للعمل في مزارع العنب، لا تهاب حرارة الشمس ولا تعب الساعات، وكانت تردد دائمًا: "الشقاء النهاردة هو اللي هيخليني أفرح بكرة".
ورغم مشقة العمل، لم تكن الابتسامة تفارق وجهها، حديثها مع صديقاتها كان كله أمل، كانت تخطط لما بعد التخرج، وتتخيل اليوم الذي سترتدي فيه الروب الجامعي، وتمسك شهادة الهندسة بين يديها.. لكن القدر كان له رأي آخر.

سيارة الموت
استقلت شيماء سيارة العمال، جلست بجوار صديقاتها، تبادلن الضحكات والأحاديث، تحدثن عن أحلام الغد، وامتحانات الجامعة، وخطط العام الجديد؛ لم تتخيل واحدة منهن أن هذه ستكون الرحلة الأخيرة، وآخر مرة تسمع فيها الأم صوت ابنتها.
على الطريق الإقليمي، توقف الزمن. تحولت السيارة إلى قطعة خردة، وتحول معها الأمل إلى صدمة، وفي لحظة، أصبحت شيماء واحدة من ضحايا حادث مأساوي لم يرحم فيه الأحلام، ولا الدموع، ولا التوسلات.
الوداع المرير
عندما وصل خبر الحادث إلى المنزل، تحولت الضحكات إلى بكاء مرير. الأم التي كانت تنتظر عودتها بسلام، استقبلتها ملفوفة في كفن أبيض.
الجيران توافدوا لتقديم العزاء، والعيون امتلأت بالدموع، وخيّم الحزن على المكان، ولم يصدق أحد أن شيماء، زهرة البيت، رحلت بهذه السرعة.
اليوم، تجلس والدة شيماء أمام كتب ابنتها بمفردها، تتلمس أوراقها، وتحتضن صورتها، وتبكي في صمت طويل.. تتذكر كل كلمة، وكل دعاء، وكل صباح كانت شيماء تستيقظ فيه مبكرًا، بحثًا عن حلمٍ لم تكتمل فصوله.