رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

"دبلوماسية الحسين".. رسائل ناعمة من قلب القاهرة القديمة

جانب من الزيارة
جانب من الزيارة

في مشهد لم يكن وليد المصادفة، شهدت منطقة الإمام الحسين في قلب القاهرة الفاطمية زيارتين متتاليتين، حملتا بين تفاصيلهما رسائل سياسية وثقافية ناعمة، تتجاوز حدود البروتوكول المعتاد.

من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جولة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، تحولت هذه البقعة التاريخية إلى مسرح دبلوماسي يعكس ما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية الحسين".

 

الزيارة الفرنسية.. قهوة بنكهة نجيب محفوظ وعمق تاريخي

في أبريل الماضي، اصطحب الرئيس عبد الفتاح السيسي نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في جولة غير تقليدية إلى مسجد الإمام الحسين، وخان الخليلي، ومقهى نجيب محفوظ، أحد أبرز المعالم الأدبية في مصر.

تحرك الرئيسان بين الأزقة الضيقة التي تنبض بالتاريخ، وتبادلا الأحاديث في أجواء مصرية خالصة، بعيدًا عن قاعات الاجتماعات الرسمية. 

زيارة حملت في طياتها رسائل تؤكد أن مصر ليست فقط شريكًا استراتيجيًا، بل حاضنة حضارية قادرة على مد جسور التواصل بين الثقافات.

 

الزيارة الإيرانية.. صلاة في الحسين ورسائل بلا كلمات

بعد أقل من شهرين، وفي مطلع يونيو، زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مسجد الإمام الحسين، حيث أدى صلاة المغرب، قبل أن يتجول في خان الخليلي وسط ترحيب شعبي ورسمي ملحوظ.

الزيارة، وإن جاءت في إطار تقارب إقليمي محسوب، حملت طابعًا رمزيًا واضحًا؛ إذ إن اختيار الوزير الإيراني أن يبدأ زيارته الرسمية من قلب القاهرة القديمة، يعكس إدراكًا لمكانة هذا الحي الروحية والتاريخية، في ظل تباينات شابت العلاقات بين القاهرة وطهران لسنوات طويلة.

 

رمزية الحسين.. لغة القاهرة حين تتحدث بهدوء

لم يكن اختيار مسجد الحسين عبثيًا في أي من الزيارتين. فالمكان، الذي يحتضن الضريح الأشهر لأهل البيت في مصر، يتمتع بقدسية خاصة، لكنه فوق ذلك يمثل روح القاهرة القديمة، ويعكس جوهر الشخصية المصرية المتسامحة متعددة الأبعاد.

في السياسة كما في الثقافة، يعرف المصريون كيف يستخدمون الأماكن لتوصيل الرسائل. وما بين زيارة رئيس دولة أوروبية كبرى، ووزير خارجية قوة إقليمية بارزة، بدا واضحًا أن الحسين بات مساحة رمزية للقاء المختلفين، ورسالة دبلوماسية صامتة تؤكد ثقة مصر في قدرتها على أن تكون جسرًا بين العواصم المتباعدة.

 

دبلوماسية الذاكرة والتاريخ

في عالم تتشابك فيه المصالح وتتقاطع فيه السياسات، ظهرت "دبلوماسية الحسين" كمدخل مختلف لتناول العلاقات الدولية، دبلوماسية لا تعتمد على العبارات الرسمية، بل على المشي في أروقة التاريخ، واحتساء الشاي على أنغام العود، وزيارة مسجد يمزج بين الروح والزمان والمكان.

ما بين جلسة ثقافية في مقهى نجيب محفوظ، وصلاة مغرب في مسجد الحسين، تجيد القاهرة إرسال الرسائل التي لا تُكتب في البيانات الرسمية. 

ويبدو أن من يزور مصر اليوم، لم يعد يكتفي بلقاءات القصور الرئاسية، بل يختار أن يمر من "باب الحسين"؛ حيث تبدأ الدبلوماسية بنبض إنساني وتاريخي عميق.

تم نسخ الرابط