رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

ضربة العنكبوت.. كيف غيّرت المسيّرات وجه الحرب الروسية الأوكرانية؟

حرب المسيّرات
حرب المسيّرات

في تطور نوعي ينذر بتصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية، نجحت كييف في تنفيذ هجوم غير مسبوق (ضربة العنكبوت) استهدف العمق الروسي وبشكل مباشر مكونات الثالوث النووي الروسي.

وتعد ضربة العنكبوت الأوكرانية أحد أكبر التحديات لهيبة الردع العسكري لموسكو منذ اندلاع الصراع في فبراير 2022. 

هذا الهجوم النوعي الذي وصل إلى سيبيريا، على بعد أكثر من 4000 كيلومتر من خط التماس، يأتي قبل ساعات من انطلاق جولة محادثات سلام حساسة في إسطنبول، ما يجعل من رد الفعل الروسي المرتقب حجر الزاوية في تحديد مستقبل النزاع.

العمق الروسي لم يعد آمناً

أهداف ضربة العنكبوت

  • مطارات عسكرية ومنشآت يُعتقد أنها ضمن البنية التحتية النووية الروسية.
  • تدمير أو إعطاب أكثر من 40 طائرة حربية.
  • خسائر تقدّرها كييف بنحو 7 مليارات دولار.

أسلوب الهجوم

  • استخدام طائرات مسيرة متقدمة، أُطلقت من داخل روسيا نفسها، في التفاف تقني على أنظمة الدفاع الجوي.
  • تفجيرات متزامنة طالت منشآت لوجستية مثل الجسور والسكك الحديدية في بريانسك وكورسك، ما يُشير إلى عملية منسّقة بدقة، قد تكون مدعومة استخباراتياً من أطراف غربية.

ماذا نعرف عن الثالوث النووي الروسي؟

الثالوث النووي يتكون من:

  • صواريخ نووية بالستية عابرة للقارات (برية).
  • غواصات نووية (بحرية).
  • قاذفات استراتيجية بعيدة المدى (جوية).

يرى خبراء أن استهداف البنية التحتية للقاذفات الجوية في سيبيريا يُعد سابقة خطيرة، ورسالة مباشرة مفادها أن الردع النووي الروسي لم يعد بمنأى عن الاختراق، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر حساسية تشمل التصعيد النووي التكتيكي، أو الرد العنيف التقليدي.

تزامن عسكري دقيق مع الحراك الدبلوماسي

رغم الهجوم، أعلنت كييف عن توجه وفد رسمي إلى إسطنبول بقيادة وزير الدفاع رستم أوميروف، للمشاركة في جولة محادثات مباشرة مع الروس. 

وتصر أوكرانيا على: وقف كامل لإطلاق النار، إعادة الأسرى، رفض أي تنازلات إقليمية.

لكن الهجوم العسكري الضخم يُعيد رسم الخطوط الحمراء للمفاوضات، ويوجه رسالة ضمنية: الدبلوماسية لا تعني التخلي عن الردع النشط، وفق الخبراء.

كيف سيرد بوتين؟ السيناريوهات المطروحة

رد عسكري محدود داخل أوكرانيا:

استهداف مواقع قيادة أو بنى تحتية في كييف ولفيف.

توجيه رسالة ردع دون تصعيد شامل.

تصعيد في الجبهة الغربية:

فتح جبهة ضغط على الحدود مع بولندا أو دول البلطيق.

استخدام الهجوم كذريعة لزيادة التعبئة العسكرية.

تصعيد نوعي:

اختبار صواريخ استراتيجية.

التهديد باستخدام أسلحة نووية تكتيكية، دون اللجوء إليها فعليًا.

الرد السياسي:

تعليق المشاركة في محادثات إسطنبول أو الانسحاب منها.

اتهام الناتو وأمريكا بالمشاركة المباشرة في الحرب.

لحظة حاسمة بين الحرب والسلام

وبحسب الخبراء، فإن ما حدث في سيبيريا ليس مجرد ضربة عسكرية، بل إعادة تموضع استراتيجي لكييف في معادلة الردع، واختبار لقدرة بوتين على امتصاص الصدمة أو الرد عليها. 

وبينما يلتقي المفاوضون في إسطنبول، فإن القرار الذي سيتخذه الكرملين خلال الساعات أو الأيام القادمة قد يحدد ما إذا كانت الحرب ستتجه نحو مخرج سياسي أم إلى مواجهة أوسع وأكثر خطورة.

كيف غيّرت المسيّرات وجه الحرب؟

وسط تصاعد الاعتماد على الطائرات المسيرة في ساحات القتال، يبرز تحول نوعي في طبيعة الحروب الحديثة، حيث تتحول المسيّرات من أدوات دعم ثانوية إلى أدوات حسم استراتيجي. 

هذا التحول يعد نقلة نحو حرب استنزاف قائمة على الإغراق الجوي، يتجسد بوضوح في تكتيكات روسيا باستخدام طائرات شاهد المُنتجة حاليًا داخل أراضيها، والتي تُستخدم بشكل متكرر لشن هجمات متواصلة ومكثفة، وفق مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS).

حرب استنزاف جوي بلا توقف

تهدف هذه الهجمات بشكل رئيس إلى إنهاك الدفاعات الجوية الأوكرانية عبر الضغط المستمر. 

ومع انخراط الطرفين في استخدام المسيّرات، تزداد المخاوف من أن الصراع قد يدخل مرحلة استنزاف جوي دائم، تتحول فيه المدن والقواعد العسكرية إلى أهداف يومية للطائرات غير المأهولة، ما يهدد بجعل سماء الحرب مفتوحة بلا انقطاع.

لحظة التحول الاستراتيجي

لم تولد تكتيكات المسيّرات الحالية من فراغ، بل تعود جذورها إلى ما وصفه خبراء بأنه ثورة بدأت فعليًا في حرب ناغورنو قره باغ عام 2020. 

في تلك الحرب التي استمرت 44 يومًا، غيّرت الطائرات المسيرة مسار المعارك بشكل جذري لصالح أذربيجان، حيث دمرت دبابات ومنصات مدفعية ومنشآت دفاعية أرمينية بشكل شبه كامل.

ومثّلت تلك الحرب نافذة مبكرة على القدرة الحاسمة للطائرات المسيّرة في تغيير نتائج المعارك، مؤكدة أن الجهات غير القادرة على التصدي لهذا النوع من الهجمات تتحول إلى ضحية عاجزة في ميدان المعركة، وفق المركز الأوروبي للتميّز في مواجهة التهديدات الهجينة (hybrid Coe) في فنلندا.

القوة الجوية لم تعد حكرًا على الكبار

واحدة من أبرز نتائج تصاعد استخدام المسيّرات أنها أضفت طابعا ديمقراطيا على القوة الجوية، على حد تعبير المارشال الجوي المتقاعد جوني سترينجر من حلف شمال الأطلسي (الناتو).

فبينما كانت السيطرة الجوية سابقًا حكرًا على دول كبرى تمتلك أساطيل طائرات وموازنات ضخمة، فإن التكنولوجيا المسيرة منحت حتى الجماعات الصغيرة والدول الفقيرة القدرة على تنفيذ عمليات دقيقة وفعالة.

المعادلة تغيرت: يمكن لأي طرف الآن أن يؤدي أدوار سلاح الجو التقليدي بكلفة منخفضة نسبيًا، عبر استخدام طائرات مسيرة مرتبطة بحاسوب محمول، وبعض البرمجيات، والكثير من الخيال التكتيكي.

حرب المسيّرات في أوكرانيا

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، أصبحت المسيّرات أداة مركزية لكلا الطرفين. 

فشل الجانبان في تحقيق سيادة جوية تقليدية، ما ترك المجال مفتوحًا أمام الطائرات غير المأهولة.

ظهرت المسيرات في مختلف أنماط القتال: الاستطلاع، توجيه المدفعية، تنفيذ الضربات الدقيقة، وحتى القيام بعمليات انتحارية.

من الرباعيات الصغيرة والمروحيات المصغّرة، إلى الطائرات بعيدة المدى المسلحة، أصبح المجال الجوي ساحة مزدحمة للمسيّرات، ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد والفتك إلى الحرب المفتوحة.

الطائرات المسيرة تغيّر معادلات الردع

تطور حرب المسيّرات يكشف عن تحوّل بنيوي في طبيعة القوة العسكرية الحديثة، لم تعد السيطرة الجوية حكراً على الدول الكبرى، ولم تعد أي قاعدة أو مدينة آمنة من ضربات دقيقة ومنخفضة الكلفة.

ووفق الخبراء، فإننا أمام عصر جديد من الحروب، تُخاض فيه المعارك من السماء، بأيدٍ خفية وأجهزة صغيرة، تُدار أحيانًا من مسافة آلاف الكيلومترات.

تم نسخ الرابط