شجرة عائلات وزراء مصر.. متى تبتسم السلطة لأبناء الكادحين؟

في الدولة المصرية، كما في غيرها من دول العالم، تملك بعض العائلات "رأسمالًا سياسيًا" يتوارثه الأبناء والأحفاد، وتبقى بعض الأسماء حاضرة على قوائم المناصب الرفيعة جيلاً بعد جيل، وكأن الإدارة العامة ليست فقط نتاج كفاءة، بل أيضًا ثمرة نسب، وشبكات، وتعليم خاص لا يصل إليه أبناء الفقراء.
فمنذ نشأة الدولة المصرية الحديثة، ظلت المناصب الوزارية حكرًا على عائلات بعينها، تتوارث النفوذ كما يُورَّث الميراث، وتنتقل السلطة من جيل إلى آخر داخل نفس الدوائر الاجتماعية والاقتصادية.
وبينما تبدلت الأنظمة من ملكية إلى جمهورية، ومن الحزب الواحد إلى التعددية، ظل المشهد السياسي يُدار بالوجوه المختلفة ذات الخلفية الواحدة، وكأن الطبقات الكادحة محكومٌ عليها بالفرجة فقط على موكب الوزراء، دون أن تكون جزءًا من الصورة.
في زمن الملكية، كان الوزير غالبًا ما يُلقب بـ"الباشا"، لا بحكم الكفاءة، بل بحكم الانتماء الطبقي؛ إذ كان معظم الوزراء من أبناء عائلات أرستقراطية، أو من كبار ملاك الأراضي، أو ممن تلقوا تعليمهم في جامعات أوروبا.
محمد محمود باشا، رئيس الوزراء الأسبق، درس في كامبريدج، وكان من ملاك الأراضي في الصعيد، أما أحمد مدحت يكن باشا فكان من أسرة لها صلات وثيقة بالعائلة المالكة، وتعلَّم في باريس. ولم يكن مفاجئًا أن تغيب أسماء القرى المهمشة أو الحواري الشعبية عن قوائم الوزراء.
ثم جاءت ثورة 1952 حاملةً وعودًا بكسر ذلك القيد، ورفع الضباط الأحرار شعار "تمكين أبناء الشعب"، وبدأنا نرى وزراء من خلفيات أكثر تواضعًا.
الرئيس جمال عبد الناصر نفسه نشأ في حي شعبي بالإسكندرية، وعدد من رفاقه، مثل زكريا محيي الدين، لم يكونوا من أبناء الباشوات.
لكن مع مرور الوقت، بدأت نفس الدوائر المغلقة تُفرز وجوهًا جديدة، دون أن تتغير القاعدة: النخبة حاضرة، حتى وإن ارتدت قناعًا آخر.
في عهد السادات، عادت النخبة المدنية، ولكن من بوابة جديدة، هي بوابة الاقتصاد الحر والتعليم الدولي، حيث ظهرت طبقة من الوزراء تلقوا تعليمهم بالخارج، أو جاؤوا من بيئات اقتصادية مريحة.
وفي عهد مبارك، باتت الصورة أكثر وضوحًا: يوسف بطرس غالي من عائلة سياسية مخضرمة، محمود محيي الدين ابن أستاذ جامعي مرموق، أحمد نظيف ورشيد محمد رشيد من خريجي جامعات أجنبية.
ولم يعد ابن الريف أو الفقير يجرؤ حتى على الحلم بمنصب وزاري، في حكومة يُفترض أن معيارها هو الكفاءة، لكن مفتاحها هو النشأة والتعليم والاتصال بالشبكات النافذة.
ثم جاء عهد الإخوان، ومعه وعود بإعادة تشكيل النخبة على أسس جديدة، لكن التجربة كشفت أن الجماعة لم تمنح المناصب لأبناء الفقراء، بل وزعتها على أبناء الصفوة التنظيمية.
هشام قنديل، مثلًا، كان من أبناء الطبقة الوسطى العليا، وتلقى تعليمه في الخارج، وكذلك حاتم عبد اللطيف، ومرَّت المرحلة دون أن يجد ابن الصعيد المعدم موطئ قدم في الوزارة.
من بعد 2013، اتجهت الدولة للاعتماد على الكفاءات والخبرات، لكن من داخل نفس الدوائر الاجتماعية، وإن تغيرت الملامح.
الدكتور محمد معيط، وزير المالية السابق، عمل في مؤسسات دولية، والدكتورة هالة السعيد تنتمي إلى أسرة أكاديمية واقتصادية، وأحمد كمال، نائب وزير التموين، حاصل على دكتوراه من جامعة بريطانية، وغيرهم من الكثيرين المشهود لهم بالكفاءة، إلا أن الأسئلة التي تشغل بال الكثيرين: كم وزيرًا جاء من قرية نائية؟ كم منهم درس في مدرسة حكومية؟ كم منهم انتظر في طابور العيش؟
هناك استثناءات لا تُنكر، مثل الوزير الراحل حسب الله الكفراوي، الذي جاء من بيئة متواضعة، وفرض اسمه بالكفاءة والإخلاص، لكنها تظل استثناءات تؤكد القاعدة.
ويبقى السؤال مطروحًا: متى نرى وزيرًا من أبناء الفلاحين، من خريجي الجامعات الحكومية، ممن ذاقوا مرارة الزحام والحرمان؟
يرى البعض أن الوقت قد حان لتُروى شجرة الوزراء بماء التنوع، لا بماء النخبة فقط، وأن العدالة الاجتماعية لا تكتمل دون تمثيل حقيقي لأبناء الطبقات الشعبية في مواقع القرار.
على الجانب الآخر، يرى آخرون أن التعليم الأجنبي والخبرة الدولية يصنعان فارقًا في الأداء، وأن إدارة الوزارات تحتاج إلى كفاءات تلقت تدريبًا عالميًا وتملك أدوات العصر.