العالم يحتفل بكرة القدم.. لغة تتجاوز الحدود الوطنية والعرقية والثقافية

يحتفل العالم في 25 مايو من كل عام بـ"اليوم العالمي لكرة القدم"، اللعبة الأكثر شعبية على مستوى العالم، والتي أصبحت لغة عالمية تتجاوز الحدود الوطنية والعرقية والثقافية، ويتخطى أثرها حدود الملاعب.
بحسب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، فإن أول من لعب كرة القدم كانوا الصينيين في القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد، حيث كان يتنافس فريقان على إرسال كرة مملوءة بالريش إلى شبكة من دون استخدام اليدين، وذلك في لعبة تُعرف باسم "تسوجو"، وتُعد واحدة من أقدم ألعاب الكرة في التاريخ.
وفي اليونان القديمة، لعبوا رياضة تُسمى "إبيسكيروس"، وهي لعبة كرة تُمارس بين فريقين، يتكون كل منهما من 12 إلى 14 لاعبًا، وكان الهدف إرسال الكرة فوق خط الخصم باستخدام اليدين والقدمين. واستند الرومان في لعبتهم "هارباستوم" على هذه الرياضة، حيث كان كل فريق يسعى للاحتفاظ بالكرة في معسكره لأطول فترة ممكنة باستخدام القدمين واليدين أيضًا.
وشهدت مناطق أخرى من العالم ألعابًا مشابهة، ولكنها كانت تُمارَس وفق قواعد محلية مختلفة.
وفي القرن الثاني عشر تقريبًا، انتشرت في شمال غرب فرنسا والجزر البريطانية لعبة كرة تُلعب بالأيدي والأقدام، وتجمع المباراة بين قريتين أو قبيلتين، ويشارك فيها عشرات اللاعبين.
وكان الهدف هو إسقاط الكرة في معسكر الفريق المنافس، وغالبًا ما كانت هذه المباريات تنتهي بمواجهات عنيفة.
وفي عام 1579، خرجت مباراة بين طلاب جامعة كامبريدج والقرويين عن السيطرة، ونتيجة لذلك لم يعد طلاب كامبريدج يلعبون إلا على ملاعب جامعتهم.
ومع الثورة الصناعية وظهور السكك الحديدية، بدأت فكرة تنظيم المباريات بين الجامعات، لكن كل فريق كان يطبق قواعده الخاصة؛ فبعضهم كان يستخدم القدم فقط، والبعض الآخر سمح باستخدام اليدين. لذا، كان يتم الاتفاق مسبقًا إما على تطبيق قواعد أحد الفريقين، أو تقسيم المباراة إلى شوطين، يُلعب كل شوط بقواعد أحد الفريقين. وفي جامعة كامبريدج، اجتمع الطلاب من جامعات مختلفة في محاولة لوضع قواعد موحدة.
وفي عام 1857، تأسس نادي شيفيلد كأول نادٍ مستقل لكرة القدم في التاريخ، لا يتبع لجامعة أو مؤسسة، وكان يلعب وفق قواعده الخاصة التي تشبه إلى حد كبير قواعد كرة القدم الحديثة.
وبعد أيام قليلة وتحديدا في 26 أكتوبر 1863، تأسس أول اتحاد لكرة القدم في التاريخ، ضم 11 ناديًا من أندية لندن، وقام بنشر قواعده الخاصة المستوحاة من قواعد كامبريدج، وساهم الاستعمار البريطاني في نقل كرة القدم إلى العديد من البلدان حول العالم.
عام 1871، نظم الاتحاد الإنجليزي أول بطولة كأس محلية، وكانت المباراة تستمر 90 دقيقة، ويشارك فيها فريقان يتكون كل منهما من 11 لاعبًا، بما فيهم لأول مرة حارس المرمى.
وفي عام 1872، أقيمت أول مباراة دولية بين إنجلترا واسكتلندا، وانتهت بالتعادل السلبي 0-0. أما أول مباراة دولية للسيدات فكانت عام 1881 بين إنجلترا واسكتلندا أيضا، وقد قوبلت بعدم تقبل مجتمعي وتعرضت اللاعبات لهجوم من بعض الجماهير.
وانتشرت شعبية اللعبة بسرعة كبيرة، وتم تأسيس العديد من الأندية والاتحادات. وفي عام 1902، أقيمت أول مباراة دولية خارج المملكة المتحدة، فازت فيها الأرجنتين على أوروغواي 6-0، كما فازت النمسا على المجر 5-0 في مباراة أخرى.
في عام 1904، تأسس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في باريس من قبل سبع دول: السويد، الدنمارك، هولندا، بلجيكا، سويسرا، إسبانيا، وفرنسا، بهدف تنظيم المباريات الدولية. ولم تنضم إنجلترا في البداية بسبب امتلاك المملكة المتحدة لأربعة اتحادات كروية مستقلة، لكنها قُبِلت لاحقًا كعضو منفصل.
عام 1908، تم إدراج كرة القدم رسميًا لأول مرة ضمن الألعاب الأولمبية بلندن، ولكن المشاركة كانت تقتصر على الفرق الوطنية للهواة فقط، وتم استبعاد المحترفين.
وفي عام 1916 أثناء الحرب العالمية الأولى، احتفلت الأرجنتين بمرور 100 عام على استقلالها بتنظيم بطولة كرة قدم مع البرازيل وتشيلي وأوروغواي، في هذه المناسبة تم تأسيس اتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم "CONMEBOL" وهو أول اتحاد قاري في العالم.
في عام 1920، كانت مصر أول دولة غير أوروبية تشارك في الألعاب الأولمبية. وفي عام 1923، انضم الاتحاد المصري لكرة القدم كأول اتحاد أفريقي إلى "فيفا".
وأصبحت كرة القدم من أكثر الألعاب شعبية في العالم لدرجة أن العديد من الدوريات أصبحت احترافية، ونتيجة لذلك لم يعد بإمكان الكثير من اللاعبين تمثيل بلادهم في الألعاب الأوليمبية التي ظلت مخصصة للهواة فقط، وخلال دورة الألعاب الأولمبية في أمستردام عام 1928، أعلنت الفيفا مشروعها لإنشاء بطولة كأس عالم مستقلة للمحترفين. وتم اختيار أوروجواي، الفائزة بذهبية أولمبياد 1928، لتنظيم أول بطولة لكأس العالم عام 1930، تزامنًا مع مئوية استقلالها. وقد شاركت 13 دولة في البطولة، وفازت أوروغواي على الأرجنتين في المباراة النهائية بنتيجة 4-2.
وامتنعت أوروجواي عن المشاركة في بطولة 1934 التي أُقيمت في إيطاليا، احتجاجًا على ضعف المشاركة الأوروبية في البطولة الأولى. وفازت إيطاليا بالنسخة الثانية بعد تغلبها على تشيكوسلوفاكيا 2-1، وكانت أول بطولة تُبث مباشرة عبر الراديو.
في بطولة 1938 التي استضافتها فرنسا، احتفظت إيطاليا باللقب بعد فوزها على المجر 4-2، ثم توقفت البطولة لمدة 12 عاما، بسبب الحرب العالمية الثانية، وعادت عام 1950 في البرازيل، ولم تكن بنفس نظام خروج المغلوب في الأدوار النهائية، بل أقيمت بنظام مجموعة تضم الفرق المتأهلة من دور المجموعات، وكانت المباراة النهائية بين البرازيل وأوروغواي، وكان التعادل يكفي البرازيل للفوز بكأس العالم، وفازت أوروجواي على البرازيل 2-1 في مباراة خالدة.
وفي عام 1954، استضافت سويسرا البطولة التي كانت أول نسخة تُبث تلفزيونيًا، وفازت بها ألمانيا الغربية بفوزها على المجر المرشح الأقوى لعدم خسارتها 31 مباراة متتالية، كما تأسس الاتحادان الآسيوي والأوروبي لكرة القدم في عام 1954 أيضا.
في 1955 أُقيمت أول بطولة للأندية الأوروبية، والتي عُرفت لاحقًا باسم دوري أبطال أوروبا.
عام 1957، تأسس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم على يد مصر، إثيوبيا، السودان، وجنوب أفريقيا، لكن تم استبعاد الأخيرة من أول بطولة بسبب سياسة الفصل العنصري، وعدم وجود فريق متعدد الأعراق.
في ستينيات القرن الماضي، توالت التوسعات بتأسيس اتحادات قارية مثل اتحاد أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي (1961)، واتحاد أوقيانوسيا (1966).
وفي 1963 احتفلت انجلترا بمئوية الاتحاد الأقدم في تاريخ كرة القدم، بتنظيم مباراة في ملعب ويمبلي بين انجلترا ومنتخب العالم الذي تم اختياره من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم، وتنتهي المباراة بفوز انجلترا 2-1.
وعام 1969، اندلعت حرب بين السلفادور وهندوراس بعد مباراة كروية، فيما عُرف لاحقًا بـ"حرب المئة ساعة"، وأسفرت عن مقتل أكثر من 3000 شخص.
وفي عام 1970، شهدت بطولة المكسيك أول بث ملون لكأس العالم، كما طُبقت فيها البطاقتان الصفراء والحمراء، وفازت البرازيل بالبطولة لتحتفظ بكأس "جول ريميه" إلى الأبد، لتقوم "فيفا" بإنشاء كأس لا يحتفظ بها البطل إلا فترة قصيرة.
وشهد مونديال 1974 المباراة الوحيدة بين ألمانيا الشرقية والغربية. وفي مونديال 1982 في إسبانيا، أقيمت أول مباراة تنتهي بركلات الترجيح (بين فرنسا وألمانيا الغربية).
وفي 1991، نُظمت أول بطولة لكأس العالم للسيدات في الصين.
وفي نسخة 1994 بالولايات المتحدة، شهدت البطولة أول نهائي يُحسم بركلات الترجيح، وفازت به البرازيل على حساب إيطاليا.
وفي 2010، أصبحت جنوب أفريقيا أول دولة أفريقية تستضيف كأس العالم.
كرة القدم هي اللعبة الأكثر شعبية في العالم، وتُعد من أهم مصادر الدخل الاقتصادي للدول والاتحادات والأندية واللاعبين، عبر التذاكر، حقوق البث، التسويق، والإعلانات، كما تعزز الوحدة بين الشعوب، وتكسر الحواجز بين المجتمعات المتنوعة، وتوفر كرة القدم مساحة يلتقي فيها الأفراد من خلفيات متنوعة لتعزيز التفاهم المتبادل، والتسامح، والاحترام، والتضامن.