التصعيد بين واشنطن وبكين.. حرب باردة جديدة تلوح في الأفق

على مدار عقود، ظلّت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تتأرجح بين الشراكة الاقتصادية والمنافسة الاستراتيجية، لكن الرابط التجاري والاستثماري كان بمثابة "صمام أمان" يحول دون الانزلاق نحو مواجهة مباشرة، غير أن هذا التوازن الدقيق بات مهددًا، في ظل تحولات جذرية يشهدها النظام العالمي، حيث تتسارع خطوات الفصل الاقتصادي بين أكبر اقتصادين في العالم، لتكشف عن ملامح حقبة جديدة من الصراع المفتوح.
فلم تعد الخلافات محصورة في الملفات التجارية أو التكنولوجية، بل أخذت أبعادًا جيوسياسية وأمنية، وسط تراجع أدوات الحوار وتزايد مظاهر العداء المتبادل.
ويبدو أن العالم يقف اليوم على أعتاب "حرب باردة" بطابع مختلف، قوامها النفوذ والهيمنة والتحالفات، في مشهد يعيد رسم خرائط المصالح الدولية ويطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل العولمة وثنائية القطبية.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، فإن وتيرة الفصل الاقتصادي بين القوتين العالميتين تسير بوتيرة متسارعة، في تحول كان يُعد مستبعدًا قبل سنوات قليلة.
على عكس الحرب التجارية الأولى خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى، التي تميزت بالحذر التدريجي، يشهد العالم اليوم قيودًا تجارية واسعة النطاق فرضها الطرفان خلال فترة قصيرة لا تتعدى بضعة أشهر.
فصل يتجاوز الاقتصاد
ويرى مراقبون أن المواجهة لم تعد اقتصادية فحسب. فبحسب ريك ووترز، الدبلوماسي الأمريكي السابق والخبير بمؤسسة كارنيجي، "البلدان في طور فصل اقتصادي عميق، ولا توجد آليات فعالة لاحتواء التوترات أو منع تمددها إلى مجالات أخرى، بما في ذلك الأمن والسياسة".
وقد بدأت بكين بالفعل في التحول من رد الفعل إلى الهجوم، مستخدمة أدوات تتخطى التعريفات الجمركية، مثل حظر تصدير المعادن الحيوية، وربما إجراءات استراتيجية أوسع تستهدف مصالح حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وفي الوقت ذاته، عبّر الأميرال سام بابارو، قائد القيادة الأمريكية في المحيط الهادئ، عن قلقه المتزايد من تصاعد النشاط العسكري الصيني في محيط جزيرة تايوان، التي تمثل نقطة اشتعال محتملة.
أزمة تواصل وتحالفات تحت الاختبار
ورغم دعوات الصين لتفعيل قنوات الحوار الدبلوماسي، أصرت إدارة ترامب على حصر التواصل مع الدائرة الضيقة المقربة من الرئيس شي جين بينغ، وعلى رأسهم كاي تشي، مسؤول الأمن السيبراني، ما زاد من تعقيد المشهد.
وفي ظل هذا الجمود، يسعى الجانبان لحشد تحالفات داعمة. فبينما تعمل واشنطن على إقناع أكثر من 70 دولة بتقليص تعاملاتها الاقتصادية مع بكين، تحاول الصين استقطاب دول آسيوية وأوروبية قلقة من سياسات ترامب الخارجية، لا سيما فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية.
وتبدو مهمة واشنطن شاقة، خاصة أن العديد من الدول – ولا سيما في آسيا – ترتبط اقتصاديًا بالصين ولا تستطيع المجازفة بمصالحها التجارية لصالح اصطفاف سياسي غير مضمون.
توقعات بمزيد من التصعيد
في سياق متصل، تستعد وزارة التجارة الأمريكية لفرض قيود جديدة على شركات التكنولوجيا الصينية، مع توقعات بإدراج كيانات إضافية ضمن قائمة الكيانات المحظورة. وهو ما اعتبرته يون سون، مديرة برنامج الصين بمركز ستيمسون، بأنه يمثل "أكبر حرب تجارية في التاريخ"، محذرة من اتساع نطاقها بوتيرة مقلقة.
وبينما أعرب ترامب في تصريحات صحفية عن "ثقته في إمكانية التوصل إلى اتفاق في الوقت المناسب"، يرى مراقبون أن الوقت ينفد بسرعة في ظل غياب إرادة حقيقية للحوار، ما يزيد من احتمالات التصعيد في واحدة من أخطر المواجهات الجيوسياسية والاقتصادية في القرن الحالي.