زلزال مالي وشيك.. هل تدفع أمريكا العالم نحو أزمة اقتصادية كبرى؟

في وقت يواصل فيه الاقتصاد العالمي التعافي الهش من تداعيات الأزمات المتلاحقة، تلوح في الأفق مؤشرات على أزمة مالية جديدة قد تكون أكثر عنفًا وشمولًا من أزمة 2008.
تصاعد العجز الأمريكي، إلى جانب بوادر انهيار الثقة في سندات الخزينة التي طالما اعتُبرت حجر الأساس للنظام المالي الدولي، يشكل تهديدًا وجوديًا للاستقرار الاقتصادي العالمي.
خبراء الاقتصاد الفرنسيون يرفعون نبرة التحذير: العاصفة المالية قد تبدأ من واشنطن، ولكنها ستجتاح عواصم العالم، من باريس إلى بكين.
زلزال مالي عالمي
وسط هذه التغيرات العميقة، يصبح التساؤل الملح: هل نحن على أعتاب زلزال مالي عالمي يعيد رسم خريطة الاقتصاد لعقود قادمة؟
حذر خبراء اقتصاد فرنسيون من تداعيات خطيرة قد تضرب النظام المالي العالمي نتيجة تفاقم العجز الأمريكي واهتزاز الثقة في سندات الخزينة، مؤكدين أن الأزمة المرتقبة قد تكون أشد وقعًا من أزمة 2008 الشهيرة.
وقال جون بارتيليمي، خبير الاقتصاد الكلي في معهد الدراسات المستقبلية بباريس، إن الأسواق العالمية بدأت تفقد ثقتها في سندات الخزينة الأمريكية، التي طالما اعتُبرت ملاذًا آمنًا.
وأشار إلى أن أي تحرك من قِبل دول كبرى كالصين أو اليابان للتخلي عن جزء من حيازاتهما، قد يؤدي إلى هروب ضخم لرؤوس الأموال واضطراب في التوازنات العالمية.
وجاء ذلك تزامنًا مع دخول الرسوم الجمركية المتبادلة التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب حيّز التنفيذ يوم 9 أبريل، ما تسبب في اهتزاز كبير بأسواق المال العالمية.
وشهدت سندات الخزينة الأمريكية ارتفاعًا قياسيًا في العائد، حيث قفزت السندات طويلة الأجل (30 سنة) من 4.4% إلى 5%، بينما زادت سندات العشر سنوات بـ55 نقطة أساس خلال ثلاث جلسات فقط، في تسارع غير مسبوق منذ 25 عامًا.
من جانبها، قالت كلير دوبوا، أستاذة الاقتصاد في جامعة السوربون، إن العجز الفيدرالي الأمريكي بلغ مستويات "غير مستدامة على المدى الطويل"، معتبرة أن ما يحدث الآن يمثل "مقدمة لانفجار محتمل في أسواق الدين العالمية"، خاصة في ظل الرفع المستمر لمعدلات الفائدة من قِبل الاحتياطي الفيدرالي.
وأكد باتريك أرتوان، من مركز CEPII للدراسات الاقتصادية الدولية، أن تسارع رفع الفائدة يزيد من عبء خدمة الدين الأمريكي، مما يضغط على الميزانية ويُقرب من "نقطة اللاعودة" اقتصاديًا.
ارتدادات أوروبية مرتقبة
وحذر أرتوان من أن أزمة الدين الأمريكي لن تظل محصورة داخل الولايات المتحدة، بل قد تمتد إلى أوروبا، بفعل تشابك الأسواق واعتماد النظام المالي الدولي على الدولار.
وأوضح أن تراجع الثقة في سندات الخزينة قد ينعكس على اليورو، ويدفع البنك المركزي الأوروبي إلى تعديل سياساته النقدية.
وأشار إلى أن الاقتصاد الفرنسي تحديدًا، والذي يعاني من تباطؤ النمو وعجز الميزانية، سيكون معرضًا لأزمة سيولة أو تضخم مرتفع إذا انهار الطلب العالمي على الدولار.
وخلص الخبراء إلى أن الأزمة المرتقبة، إذا لم تُحتوَ سريعًا، قد تُعيد إشعال أزمات مالية قديمة في أوروبا، وتمثل نقطة تحول في النظام المالي العالمي لعقود قادمة.