موجة فيروسات تنفسية تضرب البلاد والصحة تكشف الحقيقة الصادمة
في الأسابيع الأخيرة، باتت العيادات والمستشفيات تشهد تزايدًا ملحوظًا في أعداد المترددين الذين يشكون من أعراض تنفسية حادة، تراوحت بين نزلات البرد الشديدة، والسعال المستمر، وارتفاع درجات الحرارة، وآلام الحلق والصدر هذا المشهد، الذي يتكرر سنويًا مع تغير الفصول، عاد هذا العام بصورة أكثر وضوحًا، ما دفع قطاعات واسعة من المواطنين إلى التساؤل: هل نحن أمام موجة وبائية جديدة؟ أم أن ما يحدث لا يخرج عن الإطار الموسمي المعتاد؟
وزارة الصحة والسكان، من جانبها، سارعت إلى توضيح الصورة، مؤكدة أن ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروسات التنفسية خلال هذه الفترة يُعد أمرًا طبيعيًا، لكنه يتزامن هذا العام مع عوامل إضافية جعلت الأعراض تبدو أكثر حدة لدى شريحة واسعة من المواطنين.
متابعة يومية للوضع الوبائي… الصحة تراقب ولا تتجاهل
أكد الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان، أن الوزارة تتابع الوضع الوبائي أولًا بأول من خلال منظومة الترصد الوبائي المنتشرة في جميع محافظات الجمهورية.
وأوضح أن البيانات الواردة من المستشفيات ووحدات الرعاية الصحية تشير إلى ارتفاع موسمي متوقع في الإصابات التنفسية، دون تسجيل أي مؤشرات لظهور فيروسات جديدة أو سلالات متحورة خطيرة.
وشدد عبد الغفار على أن أجهزة الوزارة لا تتعامل مع هذه الأرقام باعتبارها مجرد أرقام روتينية، بل يتم تحليلها بشكل دقيق لرصد أي تغيرات غير معتادة في نمط الإصابات أو شدتها، مؤكدًا أن الوضع حتى الآن لا يدعو إلى القلق، لكنه يستدعي الحذر والالتزام بالإرشادات الصحية.
لماذا يشعر المواطنون بأن الأعراض أقسى من المعتاد؟
رغم تأكيد وزارة الصحة أن الفيروسات المنتشرة حاليًا معروفة ومعتادة، فإن الشعور العام لدى المواطنين يشير إلى أن الأعراض هذا العام أكثر قسوة، وأكثر تأثيرًا على القدرة على ممارسة الحياة اليومية هذا التناقض الظاهري، بحسب المتحدث الرسمي، له تفسير علمي واضح.
وأوضح عبد الغفار، خلال لقائه ببرنامج «الحياة اليوم»، أن الإحساس بزيادة شدة الأعراض لا يعود إلى تطور الفيروسات نفسها، وإنما إلى تراجع المناعة المكتسبة لدى الأفراد، نتيجة التغير الكبير في الخريطة الوبائية خلال السنوات الماضية.
من هيمنة «كورونا» إلى عودة الإنفلونزا بقوة
منذ نهاية عام 2019 وحتى نهاية العام الماضي، سيطر فيروس كورونا على المشهد الصحي العالمي، وأصبح المتهم الأول في غالبية الإصابات التنفسية. هذه الهيمنة الطويلة، وفقًا للمتخصصين، لم تمر دون تأثير على جهاز المناعة لدى البشر.
فخلال تلك السنوات، تراجعت معدلات التعرض لفيروسات أخرى، وعلى رأسها فيروس الإنفلونزا، نتيجة الإجراءات الاحترازية المشددة مثل ارتداء الكمامات، والتباعد الاجتماعي، وتقليل التجمعات ومع انحسار هذه الإجراءات تدريجيًا، عاد فيروس الإنفلونزا للانتشار مجددًا، لكنه واجه جهازًا مناعيًا لم يتعرض له منذ فترة طويلة.
فجوة مناعية تفسر شدة الأعراض
يشير خبراء الصحة إلى أن ما يحدث حاليًا يمكن وصفه بـ«الفجوة المناعية»، وهي حالة تنتج عن غياب التعرض المتكرر لبعض الفيروسات لفترة طويلة، ما يؤدي إلى انخفاض المناعة المكتسبة ضدها وعندما تعود هذه الفيروسات للانتشار، تكون الاستجابة المناعية أضعف، فتظهر الأعراض بصورة أشد، حتى وإن كان الفيروس نفسه لم يطرأ عليه أي تغير جوهري.
هذا التفسير، بحسب وزارة الصحة، ينسحب على فيروس الإنفلونزا بشكل خاص هذا الموسم، حيث أصبح المسؤول الأول عن نسبة كبيرة من الإصابات التنفسية، بعد سنوات من التراجع النسبي أمام «كورونا».
هل نحن أمام موجة إنفلونزا خطيرة؟
رغم حدة الأعراض لدى بعض الحالات، تؤكد وزارة الصحة أن الغالبية العظمى من الإصابات تسير في المسار الطبيعي للمرض، وتستجيب للعلاج المعتاد، ولا تشكل خطورة حقيقية على الأشخاص الأصحاء إلا أن الوزارة تحذر في الوقت نفسه من الاستهانة بالأعراض، خاصة لدى الفئات الأكثر عرضة للمضاعفات.
وتشمل هذه الفئات كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة، ومرضى نقص المناعة، والأطفال الصغار، حيث قد تتحول الإصابة لديهم إلى مضاعفات تتطلب تدخلًا طبيًا عاجلًا.
التطعيمات… خط الدفاع الأول في مواجهة الفيروسات التنفسية
في خضم هذه التطورات، أعادت وزارة الصحة التأكيد على أهمية التطعيمات الموسمية، وعلى رأسها لقاح الإنفلونزا، باعتباره وسيلة فعالة للحد من شدة المرض وتقليل فرص الإصابة بالمضاعفات الخطيرة.
وأوضح المتحدث الرسمي أن اللقاحات لا تمنع الإصابة بنسبة 100%، لكنها تقلل بشكل كبير من حدة الأعراض، وتخفض معدلات الدخول إلى المستشفيات، وهو ما ينعكس إيجابًا على المنظومة الصحية ككل.
إجراءات وقائية بسيطة… تأثيرها كبير
إلى جانب التطعيمات، شددت وزارة الصحة على ضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية الأساسية، التي أثبتت فعاليتها خلال السنوات الماضية، ومنها:
غسل اليدين بانتظام بالماء والصابون
تجنب الزحام قدر الإمكان، خاصة في الأماكن المغلقة
ارتداء الكمامة عند ظهور أعراض تنفسية
تهوية الأماكن المغلقة بشكل جيد
تجنب الاختلاط المباشر مع المصابين
وأكدت الوزارة أن هذه الإجراءات لا تتطلب مجهودًا كبيرًا، لكنها تلعب دورًا حاسمًا في كسر سلاسل العدوى والحد من انتشار الفيروسات.
متى يجب التوجه إلى الطبيب؟
رغم طمأنة وزارة الصحة بشأن استقرار الوضع، فإنها دعت المواطنين إلى عدم التهاون في طلب الاستشارة الطبية في حال ظهور أعراض شديدة أو غير معتادة، مثل:
استمرار ارتفاع درجة الحرارة لأكثر من ثلاثة أيام
ضيق التنفس أو آلام الصدر
تدهور الحالة العامة بشكل ملحوظ
عدم تحسن الأعراض رغم العلاج المنزلي.