رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

حصاد الأزهر 2025.. 6 جولات دولية لترسيخ الوسطية وبناء جسور الحوار

الأزهر الشريف
الأزهر الشريف

في مشهد يعكس التحول المتنامي في دور المؤسسات الدينية الكبرى على الساحة الدولية، يواصل الأزهر الشريف ترسيخ مكانته بوصفه مرجعية دينية وإنسانية عالمية، لا تنكفئ على حدود الجغرافيا، ولا تنفصل عن قضايا الإنسان المعاصر.

فمع تصاعد التحديات الفكرية، وتنامي خطابات الكراهية والتطرف، برز الأزهر باعتباره صوت العقل والاتزان، وحارس الوسطية، ورافعة الحوار بين الثقافات والأديان.

وخلال عام 2025م، وبدعم وتوجيه مباشر من فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، قاد فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، ست جولات دولية موسعة، حملت رسالة الأزهر إلى عواصم العالم، مؤكدة أن الأزهر ليس مجرد مؤسسة تعليمية دينية، بل ضمير إنساني عالمي يتحرك حيث تُستدعى الحكمة، ويُطلب الاعتدال، وتشتد الحاجة إلى خطاب ديني رشيد يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم.


رؤية أزهرية ممتدة: التاريخ في خدمة الحاضر

جاءت هذه الجولات امتدادًا طبيعيًا للدور التاريخي الذي اضطلع به الأزهر على مدار أكثر من ألف عام، في ترسيخ قيم السلام والتعايش، وتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، وبناء جسور التعاون العلمي والدعوي مع المؤسسات الدولية وهي رؤية أزهرية واعية، تدرك تعقيدات الواقع، وتتعامل مع تحديات العصر بروح تجمع بين أصالة التراث الإسلامي، ووعي متقدم بمتغيرات العالم الحديث.

ولم تقتصر هذه الجولات على إلقاء كلمات أو المشاركة في مؤتمرات، بل حملت في طياتها رسائل فكرية عميقة، ومشروعات تعاون، ولقاءات مؤسسية تعكس إدراك الأزهر لمسئوليته العالمية في صناعة الوعي، وحماية المجتمعات من الانزلاق نحو التطرف أو الصدام الحضاري.

الدنمارك: وثيقة المدينة كنموذج إنساني للتعايش

انطلقت أولى محطات الحضور الأزهري من مملكة الدنمارك، حيث شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في مؤتمر «قراءة في وثيقة المدينة المنورة» بالعاصمة كوبنهاجن وقد أكد خلال مشاركته عالمية النموذج النبوي في بناء الدولة القائمة على التعايش، والعدالة، واحترام التعدد الديني والثقافي، مشددًا على أن وثيقة المدينة تمثل أحد أهم النماذج التاريخية للتعايش الإنساني المنظم.

وشملت الزيارة إلقاء خطبة الجمعة بالمركز الإسلامي «منهاج القرآن»، ولقاءات مع مسئولي وزارة الهجرة الدنماركية، إلى جانب زيارة جامعة كوبنهاجن، حيث ألقى محاضرة علمية تناولت دور البحث العلمي في الوقاية من الأفكار المتطرفة. 

وأكد أن المعرفة الواعية تمثل خط الدفاع الأول عن المجتمعات، وأن الحوار الصادق هو السبيل الآمن لمواجهة الغلو والانغلاق.

بروناي دار السلام: من التأصيل العلمي إلى الشراكة المؤسسية

وتواصلت الجولات إلى سلطنة بروناي دار السلام، في زيارة عكست عمق الروابط العلمية والدينية بين الأزهر والعالم الإسلامي وشارك الدكتور محمد الجندي في المؤتمر الدولي الذي نظمته جامعة السلطان الشريف علي الإسلامية حول «المذهب الشافعي في العصر الرقمي»، حيث ألقى كلمة محورية تناولت المنهج العلمي المتوازن للإمام الشافعي، باعتباره نموذجًا فريدًا للجمع بين النص الشرعي ومقاصده.

وأكد الأمين العام أهمية إحياء تراث الأئمة وربطه بقضايا العصر، بما يضمن تجديد الفقه الإسلامي دون إخلال بثوابته. وشهدت الزيارة لقاءات رفيعة المستوى مع ولي عهد السلطنة، ومفتي بروناي، ووزير الشئون الدينية، إضافة إلى حضور حفل تخرج دفعة من طلاب الأزهر كما جرى بحث تأسيس مركز متخصص لتعليم اللغة العربية، في خطوة تعكس تحول الزيارة من مشاركة علمية إلى شراكة مؤسسية ذات نتائج عملية ومستدامة.

الصين: الأزهر ورسالة التفاهم الحضاري

وفي الشرق الأقصى، حلّ الدكتور محمد الجندي ضيفًا على جمهورية الصين الشعبية، في جولة حملت دلالات حضارية عميقة وشارك في مؤتمر دولي حول التسامح الديني ومناهضة التمييز، والتقى قيادات الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إلى جانب السفير المصري في بكين.

وأكد خلال اللقاءات أن الأزهر الشريف يضطلع بمسئولية تاريخية في مد جسور التفاهم بين الحضارات، وأن رسالة الوسطية التي يحملها تتجاوز الحدود السياسية والجغرافية. كما ألقى كلمات علمية تناولت جذور العلاقات المصرية-الصينية، وخطورة التطرف بكافة صوره، وشارك في جلسات فكرية ناقشت سبل تجاوز صدام الحضارات. وزار عددًا من المساجد والمعاهد الإسلامية، في مشهد يعكس حضور الأزهر في قلب القضايا الإنسانية الكبرى.

كازاخستان: نداءات عالمية من أجل السلام

وامتد الحضور الأزهري إلى آسيا الوسطى، عبر المشاركة في القمة الثامنة لقادة الأديان في كازاخستان وقدم الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية رؤية أزهرية متكاملة حول الحوار الديني المعاصر، وألقى كلمة تناولت نداءات فضيلة الإمام الأكبر العالمية، التي تدعو إلى بناء عالم يقوم على الشراكة لا الصراع، والسلام لا الإقصاء.

وأجرى مباحثات ثنائية مع قيادات دينية كازاخية، تناولت سبل دعم التعاون المشترك في مجالات الدعوة والفكر، بما يسهم في ترسيخ خطاب ديني معتدل قادر على مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية في المنطقة.

ناميبيا: الأزهر في عمق القارة الأفريقية

وفي القارة الأفريقية، شارك الدكتور محمد الجندي في المنتدى الأفريقي للحوار بين الأديان بالعاصمة الناميبية ويندهوك.

 وأكد خلال مشاركته أن الأزهر الشريف يمثل نموذجًا عالميًا لترسيخ العدالة والكرامة الإنسانية، داعيًا إلى استعادة الذاكرة الحضارية للشعوب الأفريقية، وتعزيز الشراكات الدينية والثقافية.

وشملت الزيارة لقاءات مع مسئولي الاتحاد الأفريقي، والسفيرة المصرية، وزيارة المركز الإسلامي، إلى جانب طرح عدد من المبادرات التي تهدف إلى تعميق الحضور الأزهري في أفريقيا، وربط الخطاب الديني بقضايا التنمية وبناء الإنسان.

إسبانيا: الأزهر وصناعة الوعي الآمن في أوروبا

واختُتمت الجولات بزيارة إلى مملكة إسبانيا، حيث شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في مؤتمر علمي حول دور المؤسسات الدينية في صناعة الوعي الآمن والتقى أبناء الجاليات العربية والإسلامية، وزار المركز الثقافي الإسلامي بمدريد، كما عقد لقاءات مع مسئولي المفوضية الإسلامية وعمدة مدينة بارلا.

وأكدت هذه الزيارة أن الأزهر الشريف حاضر حيثما وجد الإنسان، داعمًا للاستقرار، وحارسًا للوعي، ورافعًا لراية الوسطية في المجتمعات الأوروبية التي تواجه تحديات متزايدة تتعلق بالاندماج والتعايش.

تم نسخ الرابط