الصين تحاصر تايوان بالذخيرة الحية ورسائل حرب للولايات المتحدة

في تطور جديد ينذر بمزيد من التوتر في واحدة من أكثر بؤر العالم حساسية، أعلنت الصين انطلاق تدريبات عسكرية واسعة النطاق بالذخيرة الحية حول جزيرة تايوان، في خطوة تعكس تصعيدًا ميدانيًا ورسالة سياسية واضحة موجهة إلى تايبيه وواشنطن معًا المناورات، التي تبدأ اليوم الاثنين، تأتي في سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد، وسط تحذيرات متزايدة من انزلاق الوضع في مضيق تايوان نحو مواجهة مفتوحة.

خمس مناطق مشتعلة حول الجزيرة

بحسب ما كشفت عنه قناة القاهرة الإخبارية، فإن التدريبات الصينية ستُجرى في خمس مناطق بحرية وجوية قريبة من جزيرة تايوان، وتشمل استخدام الذخيرة الحية في البر والبحر والجو اختيار هذه المناطق القريبة من الجزيرة لا يبدو عشوائيًا، بل يحمل دلالة استراتيجية تتعلق بإحكام الطوق العسكري وإظهار القدرة على فرض حصار شامل في حال اتخاذ قرار عسكري أوسع.

وتُعد هذه المناورات من أكبر التدريبات التي تُنفذ حول تايوان خلال الفترة الأخيرة، ما يرفع من منسوب القلق لدى السلطات في تايبيه، ويضع المنطقة بأسرها أمام سيناريوهات مفتوحة على احتمالات متعددة.

«مهمة العدالة 2025».. الاسم والدلالة

أعلن الكولونيل شي يي، المتحدث باسم قيادة المسرح الشرقي لجيش التحرير الشعبي الصيني، أن التدريبات تحمل الاسم الرمزي «مهمة العدالة 2025»، وتشارك فيها وحدات متعددة من الجيش الصيني، تشمل القوات البرية والبحرية وسلاح الجو وقوات الصواريخ.

وأوضح المتحدث، في بيان رسمي نقلته وكالة الأنباء الصينية «شينخوا»، أن قوات قيادة المسرح الشرقي بدأت بالفعل تنفيذ هذه المناورات حول جزيرة تايوان، دون الإفصاح عن مدتها الزمنية أو سقفها العملياتي، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشرًا على أن التدريبات قد تمتد أو تتوسع وفقًا لتطورات المشهد السياسي والعسكري.

قيادة المسرح الشرقي في قلب المواجهة

تلعب قيادة المسرح الشرقي دورًا محوريًا في الاستراتيجية العسكرية الصينية المتعلقة بتايوان، إذ تختص هذه القيادة بإدارة العمليات في المناطق الساحلية المقابلة للجزيرة ومن ثم، فإن إشراكها بكثافة في هذه التدريبات يعكس جاهزية عملياتية عالية، ورسالة مباشرة بأن بكين قادرة على التحرك السريع والمنسق عبر مختلف أفرع قواتها المسلحة.

ويرى محللون عسكريون أن التنسيق بين الجيش والبحرية وسلاح الجو وقوات الصواريخ خلال هذه المناورات يهدف إلى محاكاة سيناريوهات حقيقية، تشمل فرض منطقة حظر جوي وبحري، وتنفيذ ضربات دقيقة، وتأمين تفوق ناري شامل.

تايوان.. جزيرة بحكم ذاتي في مرمى النزاع

تعتبر الصين تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وتؤكد مرارًا أن إعادة توحيد الجزيرة مع البر الرئيسي مسألة سيادية لا تقبل المساومة. وعلى الجانب الآخر، تتمتع تايوان بنظام حكم ديمقراطي وإدارة ذاتية، وترفض الخضوع لسيادة بكين، مستندة إلى دعم سياسي وعسكري متزايد من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

هذا التناقض الجوهري في الرؤى جعل من تايوان بؤرة توتر دائمة، تتصاعد حدته مع كل تحرك عسكري صيني أو صفقة تسليح غربية جديدة

واشنطن في مرمى الانتقادات الصينية

تزامن الإعلان عن التدريبات العسكرية مع تصاعد حدة الانتقادات الصينية للولايات المتحدة، على خلفية دعمها العسكري المستمر لتايوان وكانت واشنطن قد أعلنت الأسبوع الماضي عن إقرار مبيعات أسلحة للجزيرة بقيمة 11.1 مليار دولار، وُصفت بأنها أكبر صفقة تسليح أمريكية لتايوان على الإطلاق.

وبحسب بكين، فإن هذه الصفقات لا تمثل فقط تدخلًا سافرًا في الشأن الصيني الداخلي، بل تسهم في تعقيد الوضع الأمني وتسريع احتمالات اندلاع صراع مسلح في مضيق تايوان.

تحذيرات رسمية من وزارة الدفاع الصينية

في هذا السياق، قال تشانج شياو قانج، المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، خلال مؤتمر صحفي، إن على الولايات المتحدة وقف ما وصفه بـ«الاستفزازات»، وتصحيح «أفعالها الخاطئة»، محذرًا من العواقب الوخيمة للاستمرار في تسليح تايوان.

وأكد المتحدث أن الصين تحتفظ بحقها الكامل في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية سيادتها ووحدة أراضيها، مشددًا على أن أي محاولة لتغيير الوضع القائم بالقوة أو فرض أمر واقع جديد ستقابل برد حاسم.

رسائل عسكرية تتجاوز حدود التدريب

لا ينظر المراقبون إلى هذه المناورات باعتبارها تدريبات روتينية فحسب، بل يرون فيها رسالة متعددة الاتجاهات: رسالة إلى تايوان مفادها أن أي تحرك نحو الاستقلال سيقابل بقوة، ورسالة إلى واشنطن بأن الدعم العسكري له كلفة استراتيجية، ورسالة إلى الداخل الصيني تؤكد جاهزية الجيش وقدرته على حماية «القضايا الجوهرية» للدولة.

وفي ظل غياب مؤشرات على تهدئة قريبة، تبقى تدريبات «مهمة العدالة 2025» محطة فارقة في مسار الأزمة، تعكس انتقال التوتر من حيز التصريحات السياسية إلى استعراض القوة العسكرية المباشرة.