معركة الدولة ضد فوضى كلاب الشوارع.. كيف توازن بين الخطر والرحمة؟
لم تعد ظاهرة انتشار كلاب الشوارع في مصر مجرد مشهد عابر في الأحياء الشعبية أو المناطق الطرفية، بل تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى قضية مجتمعية شائكة تتقاطع فيها مخاوف المواطنين اليومية مع الاعتبارات الصحية والبيئية، وتفرض نفسها بقوة على طاولة النقاش العام فبين حوادث العقر، وحالات الذعر التي يعيشها الأطفال وكبار السن، وبين الدعوات الحقوقية لحماية الحيوان ومنع إيذائه، تقف الدولة أمام معادلة دقيقة تتطلب حلولًا متوازنة ومستدامة.
وتأتي الخطة الوطنية لمواجهة الكلاب الضالة كإطار شامل يسعى إلى ضبط الظاهرة من جذورها، بعيدًا عن الحلول العشوائية أو المؤقتة، وبما يحقق الهدف الأسمى: حماية الإنسان دون الاعتداء على حقوق الحيوان.
الإطار القانوني.. نصوص واضحة لتنظيم التعامل مع كلاب الشوارع
الحسيني محمد عوض، المتحدث باسم الطب البيطري بوزارة الزراعة، يؤكد أن انتشار كلاب الشوارع ليس مجرد أزمة عابرة، بل ظاهرة مجتمعية معقدة تشغل بال المواطنين ومؤسسات الدولة على حد سواء ويشير إلى أن الدولة تمتلك نصًا قانونيًا واضحًا ينظم آليات التعامل مع كلاب الشوارع، ويضع ضوابط دقيقة لحيازة الحيوانات والتعامل معها.
هذا الإطار القانوني لا يستهدف فقط الحد من الأعداد المتزايدة، بل يهدف بالأساس إلى تنظيم العلاقة بين الإنسان والحيوان داخل المجتمع، بما يضمن السلامة العامة ويحافظ في الوقت ذاته على التوازن البيئي وحقوق الحيوان، في انسجام مع المعايير الإنسانية المعتمدة دوليًا.
تنظيم حيازة الحيوانات.. خطوة أساسية للسيطرة على الظاهرة
أحد المحاور الجوهرية في الخطة الوطنية يتمثل في تنظيم حيازة الحيوانات، وهو ما يراه المتحدث باسم الطب البيطري خطوة محورية للسيطرة على انتشار الكلاب الضالة فالكثير من هذه الحيوانات، بحسب خبراء، تبدأ قصتها داخل المنازل أو المزارع قبل أن يتم التخلي عنها في الشارع، لتتحول لاحقًا إلى جزء من المشكلة.
تنظيم الحيازة، وفقًا للقانون، يفرض مسؤولية مباشرة على المالك، سواء فيما يتعلق بالرعاية الصحية أو منع التخلي العشوائي، وهو ما من شأنه أن يقلل تدريجيًا من تدفق حيوانات جديدة إلى الشوارع، ويغلق أحد أهم أبواب تفاقم الأزمة.
الهيئة العامة للخدمات البيطرية: الجهة المختصة وصاحبة الدور التنفيذي
في قلب هذه الخطة، تقف الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوصفها الجهة المختصة قانونًا بالتعامل مع ظاهرة الكلاب الضالة. ويؤكد الحسيني محمد عوض أن الهيئة تتخذ كافة التدابير اللازمة للسيطرة على الحيوانات التي تشكل خطرًا مباشرًا على صحة الإنسان، وفق آليات علمية ومدروسة.
ولا يقتصر دور الهيئة على التدخل عند وقوع الخطر، بل يمتد ليشمل برامج الرصد والمتابعة، والتطعيمات الوقائية، والتعامل مع البلاغات الواردة من المواطنين، بما يضمن استجابة سريعة تحمي الأرواح وتمنع تفاقم الأزمات.
كلاب الشوارع المصرية.. قدرة عالية على التكيف وذكاء لافت
في قراءة ميدانية لطبيعة الظاهرة، يلفت متحدث الطب البيطري إلى أن كلاب الشوارع المصرية تمتلك قدرة كبيرة على التكيف مع الظروف المناخية المختلفة، سواء في موجات الحر الشديد أو البرودة القاسية كما أنها تُعد من أذكى سلالات كلاب الشوارع على مستوى العالم، وهو ما يجعل التعامل معها أكثر تعقيدًا.
هذا الذكاء الفطري والقدرة على التكيف يفرضان على الجهات المعنية تبني استراتيجيات غير تقليدية، تعتمد على الفهم السلوكي للحيوان، بدلًا من الحلول الصدامية التي أثبتت فشلها في تجارب سابقة.
التوعية المجتمعية: حجر الزاوية في استراتيجية المواجهة
تشدد الخطة الوطنية على أن السيطرة الحقيقية على انتشار الكلاب الضالة لا يمكن أن تتحقق عبر التدخل الحكومي وحده، بل تتطلب وعيًا مجتمعيًا واسعًا. فالتعامل الأمثل مع الحيوانات، وعدم إثارتها أو إيذائها، يمثل خط الدفاع الأول في الحد من الحوادث.
كما يحذر الخبراء من السلوكيات الخاطئة التي تسهم بشكل غير مباشر في تفاقم المشكلة، وعلى رأسها إلقاء القمامة في الشوارع، والتي تتحول إلى مصدر غذاء ثابت لكلاب الشوارع، ما يشجعها على التمركز والتكاثر في المناطق السكنية.
القمامة والتكاثر.. علاقة خفية تزيد الأزمة تعقيدًا
تُعد المخلفات غير الآمنة أحد العوامل الرئيسية التي تساعد على انتشار الكلاب الضالة. فوجود مصادر غذاء مفتوحة يجعل الشوارع بيئة جاذبة لتجمع الحيوانات، ويزيد من معدلات التكاثر، خاصة في غياب السيطرة على النفايات.