قنبلة صحية موقوتة.. لماذا أصبح المضاد الحيوي أخطر من المرض نفسه؟
في مشهد يتكرر يوميًا داخل البيوت والصيدليات، يلجأ كثير من المواطنين إلى تناول المضادات الحيوية كحلٍّ سريع لأي عرض مرضي، خاصة نزلات البرد والتهابات الجهاز التنفسي، دون انتظار تشخيص طبي أو إجراء فحوصات دقيقة هذا السلوك، الذي يراه البعض طريقًا مختصرًا للشفاء، تحول مع الوقت إلى أزمة صحية حقيقية تهدد المناعة العامة وتفتح الباب أمام أخطر أنواع البكتيريا المقاومة للعلاج.
مفهوم مغلوط.. متى يكون المضاد الحيوي علاجًا؟
يوضح الدكتور أمجد الحداد، رئيس قسم الحساسية والمناعة بمصل واللقاح، أن هناك لبسًا كبيرًا لدى المواطنين حول دور المضادات الحيوية، مؤكدًا أن ما يتم تداوله عن “منع استخدامها” غير دقيق، فالمضاد الحيوي ليس عدوًا مطلقًا، لكنه دواء متخصص لا يعمل إلا في حالات معينة.
ويشير إلى أن المضادات الحيوية تُستخدم حصريًا في علاج العدوى البكتيرية، بينما لا يكون لها أي تأثير على العدوى الفيروسية، مثل نزلات البرد والإنفلونزا والفيروس المخلوي، وهي الأكثر انتشارًا حاليًا.
80% من الأمراض المنتشرة تنفسية وليست بكتيرية
بحسب تصريحات رئيس قسم الحساسية والمناعة، فإن ما يقرب من 80% من الأمراض المنتشرة حاليًا هي أمراض تنفسية فيروسية، خاصة خلال فصول الشتاء وتقلبات الطقس. هذه الأمراض، رغم شدتها أحيانًا، لا تستجيب للمضادات الحيوية، بل إن استخدامها الخاطئ قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
ويؤكد أن التحذير من الإفراط في تناول المضادات الحيوية ليس اجتهادًا فرديًا، بل هو تحذير عالمي تتبناه منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة، بسبب الارتفاع المقلق في معدلات إساءة استخدام هذه الأدوية دون داعٍ طبي.
كيف يضر المضاد الحيوي جهاز المناعة؟
يحذر الدكتور أمجد الحداد من أن الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية يؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة، إذ تقوم هذه الأدوية بقتل البكتيريا النافعة الموجودة في الجسم، وهي عنصر أساسي في الدفاع الطبيعي ضد الأمراض.
ويسهم الإفراط في تناولها في تشجيع نمو البكتيريا الضارة المقاومة للعلاج، وهو ما يعني أن المريض قد يحتاج مستقبلًا إلى أدوية أقوى وأكثر خطورة، دون ضمان استجابة فعالة.
أسر تبحث عن الشفاء السريع.. والطفل يدفع الثمن
يرصد التحقيق سلوكًا شائعًا لدى كثير من الأسر، يتمثل في الرغبة الملحة في علاج الطفل المريض بأسرع وقت ممكن، ما يدفع بعض الآباء إلى إعطائه مضادًا حيويًا فور ظهور الأعراض، دون انتظار رأي الطبيب.
ويؤكد الدكتور أمجد الحداد أن هذا التصرف، رغم حسن النية، قد يكون ضارًا للغاية، لأن التوقف عن إعطاء المضاد الحيوي في حالات العدوى الفيروسية يمنح جهاز المناعة فرصة طبيعية لمقاومة المرض وبناء دفاع أقوى للمستقبل.
رأي طبي داعم: الحل ليس في المنع بل في الترشيد
من جانبه، شدد الدكتور جمال شعبان، العميد السابق لمعهد القلب القومي، على أن المضاد الحيوي قد يكون حلًا فعالًا وسريعًا في بعض حالات التهابات الحلق والجهاز التنفسي، لكن بشرط واحد لا يقبل الجدل: الإشراف الطبي المتخصص.
وأوضح خلال برنامجه “قلبك مع جمال شعبان” أن الخطورة تكمن في تناول المضاد الحيوي دون تحديد الجرعة المناسبة أو المدة الصحيحة، فكل حالة مرضية لها بروتوكول علاجي خاص بها.