بعد خفض الفائدة.. ما هي أكثر القطاعات الرابحة من قرار المركزي؟
أعلنت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري عن قرارها الجريء بخفض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، في آخر اجتماعاتها خلال عام 2025، في لحظة فارقة انتظرها السوق المصري طويلاً، وتناغمت فيها الرؤى الاستراتيجية لصناع السياسة النقدية مع تطلعات الخبراء والمستثمرين،
وسجلت أسعار الفائدة الجديدة 20% للإيداع و21% للإقراض، في خطوة لم تكن مجرد استجابة لضغوط اللحظة، بل كانت تجسيداً لقراءة اقتصادية متأنية لمسار التضخم وتوقعات النمو المستقبلي الذي بدأت تظهر ملامحه بوضوح في الأفق القريب، كما شمل القرار خفض سعر الائتمان والخصم بمقدار 100 نقطة أساس ليصل إلى 20.50%.
ماراثون التيسير النقدي في 2025
هذا الخفض، الذي يعد الخامس من نوعه في عام 2025، يرفع إجمالي التراجعات التي شهدتها الفائدة إلى نسبة تراكمية مذهلة بلغت 7.25%، مما يؤكد أن الدولة المصرية قد انتقلت فعلياً من مرحلة "التشدد النقدي" التي فرضتها الأزمات العالمية السابقة إلى مرحلة "التحفيز النشط" التي تستهدف إطلاق العنان للقوى الكامنة في السوق المحلي.
هذا الخفض يؤكد عزم البنك المركزي على خفض تكلفة الحصول على السيولة، وهو ما سينعكس بدوره على كفاءة الدورة الاقتصادية بأكملها ويقلل من الفجوة التمويلية التي طالما أرقت قطاعات الصناعة والتجارة.
الموازنة العامة تنفس الصعداء
وتقف الحكومة المصرية في طليعة الرابحين من هذا القرار التاريخي، إذ إن خفض الفائدة بنسبة 1% يمثل "طوق نجاة" حقيقي للموازنة العامة للدولة من خلال تقليص تكلفة عبء الدين بما يتراوح بين 75 إلى 80 مليار جنيه سنوياً، وهي مبالغ ضخمة كانت تلتهمها أقساط الفوائد، وأصبح من الممكن الآن إعادة توجيهها نحو الاستثمارات العامة وتطوير البنية التحتية، مما يخفف من عجز الموازنة ويمنح صانع القرار المالي مساحة أكبر للمناورة في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة.
حركة في الاستثمار والإنتاج
وعلى صعيد القطاعات الحقيقية، يمثل هذا التراجع "الضوء الأخضر" للقطاع الصناعي والشركات التحويلية والكيميائية للتوسع في خطوط إنتاجها دون الخشية من تآكل الأرباح بسبب تكلفة الاقتراض المرتفعة، ما يمهد الطريق أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال للوصول إلى تمويلات ميسرة تدفع بعجلة الابتكار والرقمنة إلى الأمام.
استفاقة في القطاع العقاري
بالتوازي مع الانتعاشة المرتقبة في القطاع العقاري الذي يعد قاطرة النمو، حيث يؤدي خفض الفائدة إلى تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين وتحفيز شركات الإنشاءات على ضخ رؤوس أموال جديدة تزيد من معروض الوحدات السكنية والتجارية، وهو ما يدعم في النهاية جذب الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يبحث دوماً عن بيئة نقدية مستقرة وتكلفة تمويلية تنافسية.
انتعاش البورصة والأسواق
ولم يكن سوق المال بمنأى عن هذه التطورات، حيث من المتوقع أن تشهد البورصة المصرية تدفقات سيولة كبرى ناتجة عن تحول بوصلة المستثمرين من أدوات الدين التقليدية ذات العائد المتناقص نحو سوق الأسهم والأصول الإنتاجية، وهو ما سيسهم في دوران عجلة الاستثمار مرة أخرى في كافة مفاصل الدولة.
وطالما ظل معدل التضخم تحت السيطرة ودون مستوى سعر الفائدة، ليصبح هذا القرار بمثابة "شهادة ثقة" دولية ومحلية في قوة وصمود الاقتصاد المصري وقدرته على إعادة صياغة مستقبله الاستثماري بمرونة واقتدار.

