نقطة على القرآن.. فيديو يهزّ باكستان ويُفجّر الغضب حول القارئ محمد الملاح
في ساعات قليلة، تحوّل مقطع فيديو متداول على منصات التواصل الاجتماعي إلى قضية رأي عام، بعدما ظهر القارئ المصري محمد الملاح خلال زيارة له إلى باكستان، وهو يتلو آيات من القرآن الكريم أمام حشد كبير من الحاضرين، قبل أن يفاجأ المشاهدون بقيام عدد من الأشخاص بالاقتراب منه ونثر الأموال فوق رأسه أثناء التلاوة، في مشهد أثار صدمة واسعة داخل الأوساط المصرية والعربية، وفتح بابًا واسعًا للنقاش حول قدسية القرآن وحدود العادات الاجتماعية عندما تتقاطع مع الشعائر الدينية.
الفيديو، الذي لم تتجاوز مدته دقائق معدودة، كان كافيًا لإشعال موجة من الغضب والانتقادات، تجاوزت القارئ نفسه، لتصل إلى تساؤلات أعمق تتعلق بمكانة قارئ القرآن، ومسؤولياته، والفارق الثقافي بين المجتمعات الإسلامية، وكيفية التعامل مع كتاب الله في سياقات مختلفة.
ما الذي حدث بالضبط؟ تفاصيل المشهد المثير للجدل
بحسب ما أظهره الفيديو المتداول، كان القارئ محمد الملاح يتلو آيات من الذكر الحكيم بصوت خاشع، وسط جمهور كبير التف حوله في أحد التجمعات بباكستان وخلال التلاوة، اقترب عدد من الحاضرين، وبدأوا في نثر الأموال عليه، فيما يُعرف شعبيًا في بعض المناطق الباكستانية بـ«النقطة»، وهي عادة اجتماعية تُمارس في المناسبات المختلفة، تعبيرًا عن الإعجاب أو التقدير للشخص الذي يؤدي عملاً يُنظر إليه باعتباره مميزًا أو مؤثرًا.
غير أن هذا المشهد، الذي قد يُفهم في سياقه المحلي على أنه نوع من التكريم، اصطدم مباشرة بالحس الديني والاجتماعي السائد في مصر، حيث يُنظر إلى تلاوة القرآن باعتبارها عبادة خالصة، تتطلب أقصى درجات الوقار والسكينة، بعيدًا عن أي مظاهر مادية قد تُفهم على أنها انتقاص من جلال المقام
«النقطة» بين العرف الاجتماعي والرفض الديني
أثار الفيديو نقاشًا واسعًا حول مفهوم «النقطة» نفسه، حيث أوضح متابعون أن هذه العادة منتشرة في بعض المجتمعات، لا سيما في جنوب آسيا، وتُمارس في حفلات الزواج، والمناسبات الدينية، وحتى في المجالس التي يُتلى فيها القرآن أو تُلقى فيها المدائح النبوية، باعتبارها شكلًا من أشكال التعبير عن التقدير.
لكن هذا التفسير لم يكن كافيًا لامتصاص الغضب، إذ أكد كثيرون أن العادات، مهما كانت متجذرة في مجتمعاتها، يجب أن تتوقف عندما تتعارض مع قدسية القرآن، مشددين على أن كتاب الله لا يُقاس بأي عمل بشري، ولا يجوز إدخاله في سياقات قد تفتح الباب أمام الابتذال أو سوء الفهم.
غضب مصري واسع.. «المشهد لا يليق بالقرآن»
على منصات التواصل الاجتماعي، توالت التعليقات الغاضبة من مصريين اعتبروا أن ما حدث يمثل إساءة غير مباشرة للقرآن الكريم، حتى وإن لم يكن مقصودًا، مؤكدين أن نثر الأموال أثناء التلاوة يُفقد المشهد هيبته، ويحوّل قارئ القرآن ولو دون قصد إلى موضع شبهة أو تأويل خاطئ.
وذهب بعض المنتقدين إلى أبعد من ذلك، معتبرين أن المشهد يعكس صورة غير لائقة عن القارئ المصري في الخارج، خاصة أن مصر عُرفت تاريخيًا بمدرسة التلاوة الرصينة، التي تجمع بين جمال الصوت، واحترام النص، والالتزام بالوقار.
لماذا وُجه اللوم إلى القارئ؟
لم تقتصر الانتقادات على الفعل ذاته، بل طالت موقف القارئ محمد الملاح، حيث رأى كثير من المتابعين أن مسؤوليته لا تقتصر على حسن التلاوة فقط، بل تمتد إلى إدارة المشهد العام، والحفاظ على قدسية المجلس، حتى لو تطلب الأمر إيقاف التلاوة مؤقتًا أو الإشارة إلى رفض هذا التصرف.
وأشار منتقدون إلى أن عدم اعتراض القارئ أو محاولته إيقاف نثر الأموال فُسر على أنه قبول ضمني للمشهد، أو على الأقل تجاهل له، وهو ما اعتبره البعض إخلالًا بواجب القارئ تجاه كتاب الله، الذي يفترض أن يكون أول المدافعين عن حرمته وهيبته
بين اختلاف الثقافات وثبات المقدسات
أعاد الجدل الدائر تسليط الضوء على إشكالية اختلاف العادات بين المجتمعات الإسلامية، وحدود هذا الاختلاف عندما يتعلق الأمر بالمقدسات فبينما يرى البعض أن ما حدث يدخل في إطار «سوء الفهم الثقافي»، يؤكد آخرون أن القرآن الكريم يظل فوق أي عرف أو تقليد، وأن احترامه لا يجب أن يخضع لاختلاف البيئات أو العادات.
ويرى متخصصون في الشأن الديني أن القارئ، خاصة إذا كان ضيفًا في دولة أخرى، مطالب بالجمع بين احترام ثقافة البلد المضيف، والحفاظ في الوقت ذاته على ثوابت الشعيرة، من خلال توضيح موقفه بلطف، أو وضع ضوابط مسبقة تمنع تكرار مثل هذه المشاهد.