21 شهيدًا في مواجهة التطرف.. كيف تحولت مأساة العور إلى رمز وطني خالد؟
في قرية العور التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا، عاش عشرون شابًا مصريًا حياة بسيطة، لكل منهم أسرة ومسؤوليات وأحلام محدودة، لم تتجاوز السعي وراء لقمة عيش كريمة وحياة مستقرة.
وفي نهاية عام 2013 وبداية 2014، شدّ هؤلاء الشباب رحالهم إلى ليبيا، كما فعل آلاف المصريين آنذاك، بعد أن سمعوا بتوافر فرص العمل، لا سيما في قطاع البناء.
لم يكن في حسبانهم صراعات سياسية أو صدامات مسلحة، بل كانوا يأملون في جمع ما يكفي من المال لإعالة أسرهم والعودة سالمين.
إلا أن الأوضاع الأمنية في ليبيا، عقب سقوط نظام القذافي، كانت تتدهور سريعًا، مع انتشار الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم «داعش»، الذي فرض حضوره الدموي في عدد من المناطق.
الخطف وبداية المأساة
خلال وجودهم في ليبيا، تعرّض سبعة من هؤلاء الشباب للاختطاف في أواخر عام 2013، ثم لحق بهم أربعة عشر آخرون في يناير 2015، لتبدأ أيام ثقيلة من القلق والترقب في قرية العور، حيث عاش الأهالي على أمل عودة أبنائهم سالمين.
يوم الجريمة الذي هز العالم
في 15 فبراير 2015، صُدم العالم بنشر تنظيم «داعش» مقطع فيديو يوثق جريمة ذبح 21 شابًا مسيحيًا على شاطئ مدينة سرت الليبية. ظهر الضحايا بملابس موحدة، مقيدين، يواجهون الموت بثبات لافت، مرددين اسم المسيح في هدوء وإيمان.
كان من بينهم عشرون مصريًا من قرية العور، إضافة إلى شاب غير مصري يدعى ماثيو إيريجا، اختار أن يشاركهم المصير ذاته، رافضًا التخلي عنهم في لحظاتهم الأخيرة.
انتظار طويل وعودة الشهداء
لعدة سنوات، ظلت أسر الشهداء دون أن ترى جثامين أبنائها. وفي عام 2017، تم العثور على رفاتهم داخل الأراضي الليبية، قبل أن تعود الجثامين إلى مصر في مايو 2018، حيث شُيعت في جنازات مهيبة، واستقبلتهم قريتهم بالدموع والزغاريد، في مشهد جمع بين الحزن والفخر، وكأنهم عرسان في موكب سماوي.
أسماء شهداء العور
الشهداء المصريون العشرون هم: ميلاد مكين زكي، أبانوب عياد عطية، ماجد سليمان شحاتة، يوسف شكري يونان، كيرلس بشري فوزي، بيشوي اسطفانوس كامل، صموئيل اسطفانوس كامل، ملاك إبراهيم سنيّوط، تواضروس يوسف تواضروس، جرجس ميلاد سنيّوط، مينا فايز عزيز، هاني عبد المسيح صليب، صموئيل ألهم ويلسون، عزت بشري نصيف، لوقا نجاتي أنيس، جابر منير عدلي، عصام بدار سمير، ملاك فرج إبراهيم، سامح صلاح فاروق، جرجس سمير مجلي.
إضافة إلى الشهيد غير المصري ماثيو إيريجا.
بازار ومزار الشهداء
عقب عودة الجثامين، أُنشئ بازار ومزار شهداء ليبيا بقرية العور، ليكون شاهدًا حيًا على قصتهم. لكل شهيد مساحة تحمل اسمه، تضم صورته ومقتنياته الشخصية، وسردًا مختصرًا لحياته ورحلته، ليبقى المكان مفتوحًا للزوار، يحكي قصة شباب خرجوا طلبًا للرزق، فعادوا شهداء للكرامة والإيمان.
تخليد كنسي ورسالة وطنية
قرر البابا تواضروس الثاني إدراج أسماء شهداء ليبيا الـ21 في السنكسار القبطي، تخليدًا لإيمانهم وثباتهم، مؤكدًا أنهم نالوا «إكليل الوطن» لاستهدافهم كمصريين، و«إكليل الإيمان» لتمسكهم بعقيدتهم حتى اللحظة الأخيرة.
وتبقى ذكرى شهداء ليبيا رسالة خالدة في مواجهة الإرهاب، ودليلًا على قوة الإيمان، ووحدة المصريين في وجه التطرف، مهما اختلفت الديانة أو الانتماء.