خريطة الدم والظل: كيف أدارت جماعة الإخوان الإرهابية ماكينة العنف من رابعة إلى الشقق السرية؟
لم تكن وقائع العنف المرتبطة بجماعة الإخوان الإرهابية أحداثًا عشوائية أو ردود أفعال لحظية، بل جاءت وفق ما تكشفه أوراق القضايا والتحقيقات الأمنية ضمن مخطط متكامل، تداخلت فيه الأيديولوجيا المتطرفة مع التنظيم السري وأجندات أجنبية، وتحوّلت فيه المنصات الدعائية إلى غرف عمليات، والخطابات التحريضية إلى أوامر قتل وتنفيذ.
نرصد خطوة بخطوة، كيف انتقلت الجماعة من منصة اعتصام مسلح إلى شبكات اغتيال وخلايا إرهابية عابرة للحدود، استهدفت الدولة والمجتمع معًا.
رابعة.. حين تحوّل الاعتصام إلى منصة تحريض مسلح
تشير التحقيقات إلى أن اعتصام رابعة لم يكن مجرد مساحة احتجاج سياسي، بل اتخذ منذ بداياته طابعًا تنظيميًا مسلحًا، حيث تولت كوادر وقيادات إخوانية إدارة المنصة باعتبارها مركز بث للتحريض على العنف. من فوق هذه المنصة، أُطلقت دعوات صريحة لمواجهة مؤسسات الدولة، وتكفير الخصوم، وتبرير استخدام السلاح ضد رجال الجيش والشرطة والقضاء.
وبحسب ما رصدته الأجهزة المختصة، جرى خلال الاعتصام وضع اللبنات الأولى لمرحلة “ما بعد الفض”، حيث جرى تكليف عناصر بعينها بالاستعداد لتنفيذ عمليات نوعية، مستندين إلى خطاب تعبوي صوّر العنف باعتباره “واجبًا شرعيًا” و”ردًا مشروعًا”.
قيادات تصدر الأوامر: الاغتيال كخيار استراتيجي
تكشف القضية عن تورط قيادات بارزة في جماعة الإخوان الإرهابية في إصدار تكليفات مباشرة بتنفيذ عمليات اغتيال استهدفت رموزًا أمنية وقضائية وعسكرية ولم تكن هذه العمليات وليدة اجتهادات فردية، بل جاءت ضمن استراتيجية ممنهجة لضرب مؤسسات الدولة في مقتل.
ويبرز في هذا السياق اغتيال العقيد وائل طاحون، مفتش قطاع الأمن العام بوزارة الداخلية، في رسالة دموية استهدفت جهاز الشرطة، تلاها اغتيال العميد عادل رجائي، أحد قيادات القوات المسلحة، في محاولة واضحة للنيل من المؤسسة العسكرية كما شكّل اغتيال المستشار هشام بركات، النائب العام، ذروة هذا المسار الدموي، باعتباره استهدافًا مباشرًا لرمز العدالة وسيادة القانون.
التحقيقات تؤكد أن هذه العمليات نُفذت بتخطيط محكم، ودعم لوجستي وإعلامي، مع توفير قنوات اتصال سرية بين المنفذين والقيادات المشرفة.
ضرب المجتمع من الداخل: استهداف الأقباط ودور العبادة
لم تقتصر خريطة العنف على استهداف رموز الدولة، بل امتدت لتطال المجتمع ذاته، في محاولة لإشعال الفتنة الطائفية فقد كشفت التحقيقات عن تورط عناصر إخوانية في استهداف بعض أبناء الطائفة المسيحية، وتنفيذ عمليات عدائية ضد مؤسسات خدمية ودور عبادة مسيحية.
وكان من أبرز هذه الجرائم تفجير معهد الأورام، الذي راح ضحيته مواطنون أبرياء، في واحدة من أكثر العمليات دموية، إلى جانب حرق وتخريب منشآت كنسية. وتؤكد التحليلات أن هذه العمليات هدفت إلى إرباك المشهد الداخلي، وبث الرعب، وضرب التماسك الوطني، في إطار ما عُرف داخل التنظيم باستراتيجية “الفوضى الشاملة”.
الهروب إلى الخارج.. وإدارة الإرهاب عن بُعد
مع ملاحقة قادة وعناصر التنظيم قضائياً في الجرائم التي ارتكبوها بحق الوطن والمواطنين، لجأت قيادات إخوانية بارزة إلى الهروب خارج الحدود، واتخذت من تركيا مقرًا لإدارة نشاطها وتبرز أسماء مثل يحيى موسى، ومحمد رفيق مناع، وعلاء السماحي، كعناصر محورية في إدارة غرف عمليات خارجية، تولت التخطيط، والتمويل، والتوجيه.
وتشير المعلومات إلى أن هذه القيادات لم تكتفِ بإدارة منصات إعلامية تحريضية، بل شرعت مؤخرًا في إعداد مخطط جديد يستهدف الإضرار بالدولة ومؤسساتها، عبر إعادة إحياء الخلايا الإرهابية النائمة، والدفع بعناصر مدرّبة لتنفيذ عمليات نوعية داخل البلاد.
العنصر المنفذ: تدريب عسكري وتسلل غير شرعي
في قلب هذا المخطط، برز اسم أحمد محمد عبد الرازق أحمد غنيم، أحد العناصر الإخوانية التي جرى إعدادها بعناية فوفق التحقيقات، سبق تواجده بإحدى الدول الحدودية، حيث تلقى تدريبات عسكرية متطورة شملت استخدام الأسلحة، والتخفي، وتنفيذ العمليات القتالية.
جرى تكليفه بالتسلل إلى داخل البلاد بصورة غير شرعية، تمهيدًا لتنفيذ عمليات إرهابية متزامنة مع تصعيد دعائي وإعلامي تقوده حركة “حسم” الإرهابية، الذراع المسلحة لجماعة الإخوان.
حسم على السوشيال ميديا: استعراض القوة وبث الرعب
بالتوازي مع التحركات الميدانية، أطلقت حركة “حسم” مقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تضمنت مشاهد تدريب لعناصرها، ورسائل تهديد صريحة بتنفيذ عمليات إرهابية وشيكة هذه المقاطع لم تكن مجرد استعراض، بل جزءًا من حرب نفسية استهدفت رفع معنويات العناصر، وبث الخوف في الشارع، وإيصال رسالة بأن التنظيم لا يزال قادرًا على الضرب.
شقة بولاق الدكرور: النهاية قبل التنفيذ
اختار العنصر الإخواني أحمد غنيم إحدى الشقق السكنية بمنطقة بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة وكرًا للاختباء، تمهيدًا لتنفيذ المخطط الإرهابي ووفق المعلومات، كان يعمل بالاشتراك مع إيهاب عبد اللطيف محمد عبد القادر، أحد عناصر حركة “حسم”، لتنسيق التنفيذ وتوفير الدعم.
غير أن الرصد الأمني الدقيق سبق خطوات التنفيذ، حيث جرى تحديد مكان الاختباء، ومداهمة الشقة. وخلال المداهمة، بادر العنصران بإطلاق الأعيرة النارية بصورة عشوائية تجاه القوات والمنطقة المحيطة بالعقار، ما شكّل تهديدًا مباشرًا لحياة المواطنين وعلى إثر ذلك، جرى التعامل مع مصدر النيران، وأسفرت المواجهة عن مصرعهما.
تكشف هذه القضية بوضوح أن جماعة الإخوان الإرهابية لا تزال تراهن على العنف كوسيلة للعودة إلى المشهد، رغم الضربات المتتالية كما تؤكد أن المعركة لم تعد تقتصر على المواجهة الأمنية، بل تمتد إلى تفكيك الفكر المتطرف، وفضح شبكات التحريض، وتجفيف منابع التمويل، ومواجهة الدعاية السوداء.