رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

ستيفن صهيوني يكتب: لبنان يفاوض اسرائيل تحت التهديد فهل يتجنب الحرب الكبرى ؟

لبنان بين التهديد
لبنان بين التهديد والمفاوضات

دخل لبنان رسميًا مرحلة جديدة من المفاوضات المباشرة مع إسرائيل في إطار لجنة الخماسية في الناقورة، في خطوة تُعدّ تحولًا مهمًا في طريقة تعاطي بيروت مع الضغوط الدولية المتزايدة. 

ويرى محللون أن هذا التطور يشكّل مؤشرًا على تحوّل نوعي في كيفية استجابة الدولة اللبنانية للتطورات العسكرية والسياسية على حدودها الجنوبية.

إعادة تفعيل الحوار التقني تحت ضغط أمريكي

يشير خبراء إلى أن مشاركة لبنان تأتي استجابة لطلب أمريكي بإعادة تفعيل آلية التفاوض التقني، في وقت تسعى فيه القوى الدولية إلى احتواء التصعيد ومنع توسّع المواجهة على الجبهة الشمالية.

لا يزال الرؤساء الثلاثة في لبنان – رئاسة الجمهورية، الحكومة، والبرلمان – يرفضون بشكل قاطع أي شكل من أشكال التطبيع السياسي مع إسرائيل. 

وتهدف المناقشات الحالية، كما أكد المسؤولون، إلى وقف الحرب، وتأمين عودة النازحين، وضمان انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلّة، ونشر الجيش اللبناني، وحصر السلاح بيد الدولة في نهاية المطاف.

وقد أوضح رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام في مقابلة مع قناة الجزيرة أن لبنان منفتح على ما سمّاه “مفاوضات فوق عسكرية”، لكنه شدد في المقابل على أن البلاد لا تشارك في أي مفاوضات سلام مع إسرائيل.

تعيين لافت: السفير سيمون كرم

وصف الخبير العسكري والاستراتيجي جورج نادر تعيين السفير سيمون كرم المعروف بانتقاداته لدور سلاح حزب الله بأنه “لافت وغير مسبوق”، مشيرًا إلى وجود توافق سياسي واسع خلف هذا الاختيار. 

ويرى نادر أنّ هذا التوافق يشكّل “تطورًا إيجابيًا” قد يساعد في دفع مسار المفاوضات قدمًا.

وفي مقابلة مع “إرم نيوز”، أوضح نادر أنّ اجتماع الناقورة في مقر الأمم المتحدة ضمّ أعضاء لجنة الخماسية: رئيسًا أمريكيًا، إلى جانب ضباط فرنسيين وأمميين ولبنانيين وإسرائيليين.

وجاءت مشاركة السفير كرم كممثل للبنان ضمن تفاهم جديد لإعادة فتح قنوات الحوار، وهو ما يعتبره نادر عاملًا قد يساهم في الحدّ من احتمالات أو على الأقل من حدّة أي عملية عسكرية إسرائيلية واسعة.

وأضاف أن الاجتماع تناول ملفات أمنية حساسة، منها آليات احتواء النزاع ومنع الانزلاق إلى مواجهة واسعة غير منضبطة.

التصعيد الميداني: الغارات الإسرائيلية مستمرة

نفّذت إسرائيل يوم الخميس غارات جوية على عدة بلدات في جنوب لبنان، وقالت إنها استهدفت بنى تحتية عسكرية تابعة لحزب الله.

وجاءت الضربات بعد تحذيرات وجّهتها القوات الإسرائيلية للسكان في مبانٍ محددة ومحيطها، في تصعيد لافت وقع بعد يوم واحد فقط من أول اجتماع على مستوى مدني بين ممثلين لبنانيين وإسرائيليين ضمن لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، وبعد يومين من الزيارة التاريخية للبابا إلى بيروت.

وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام، استهدفت الغارات بلدات محرونة وجباع والمجادل وبراشيت. 

وقالت إسرائيل إن المواقع تحتوي على منشآت عسكرية لحزب الله. وقد شوهدت أعمدة الدخان فوق الأحياء السكنية في جباع، فيما واصلت الطائرات الإسرائيلية التحليق فوق قضاء صور والقطاع الغربي وحتى فوق بيروت وضاحيتها الجنوبية.

الهدوء النسبي الذي ساد خلال زيارة البابا سرعان ما تبدّد، ليحلّ مكانه القلق من تصعيد جديد بعد التفاعل غير المسبوق بين ممثلي الطرفين المدنيين.

الموقف الأمريكي

أشاد السفير الأمريكي مايكل عيسى بلبنان وإسرائيل لما وصفه بـ“القرار الشجاع بفتح قناة حوار في هذا الوقت الحساس”. 

وأضاف أن تحقيق تقدم مستدام يتطلب احترامًا متبادلًا لمخاوف وتطلعات كل طرف.

رئيس الجمهورية جوزيف عون: المفاوضات لمنع حرب ثانية

وصف الرئيس جوزيف عون أول جلسة تفاوض مع إسرائيل بأنها “إيجابية”، ودعا جميع الأطراف للبناء عليها لمنع حرب ثانية، وأعلن أن الجولة المقبلة مقررة في 19 ديسمبر.

وفي تصريح بعد اجتماع لمجلس الوزراء، شدّد عون على أن الجلسة الأولى لم يكن متوقعًا أن تحقق اختراقات كبيرة، لكنها وضعت أسسًا مهمّة للجولات اللاحقة. 

وجدد التأكيد أن لبنان لن يساوم على سيادته، وأن الدبلوماسية يجب أن تحلّ محلّ الصراع.

وأكد الرئيس أنه تم تعيين السفير كرم لقيادة الوفد اللبناني بعد التشاور مع رئيس البرلمان ورئيس الحكومة، الذين اتفقوا على ضرورة إدخال شخصية مدنية إلى آلية التفاوض.

التصريحات الإسرائيلية

أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف “مستودعات أسلحة تابعة لحزب الله داخل مناطق مدنية”، متهمًا الحزب باستخدام المدنيين دروعًا بشرية. 

وقال إنه استخدم ذخائر دقيقة ووجّه إنذارات مسبقة لتجنب سقوط ضحايا مدنيين.

وزعمت إسرائيل أن وجود منشآت عسكرية لحزب الله يشكل خرقًا للتفاهمات التي تحكم وقف إطلاق النار، وتعهّدت بمواصلة عملياتها لإزالة أي تهديد على الجبهة الشمالية.

وقد دمّرت الغارات عدة مبانٍ، وجاءت بعد يوم واحد من إرسال الطرفين ممثلين مدنيين إلى اجتماع لجنة الناقورة. 

ويعتبر هذا أكبر هجوم إسرائيلي يترافق مع تحذيرات إخلاء منذ مغادرة البابا لبيروت.

عام من الحرب والانتهاكات

أطلقت إسرائيل حملة عسكرية ضد لبنان في أكتوبر 2023 تطورت إلى حرب شاملة بحلول سبتمبر 2024، ما أدى إلى مقتل أكثر من 4,000 شخص وإصابة أكثر من 17,000.

ورغم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار برعاية أمريكية وفرنسية في 27 نوفمبر 2024، تواصل القوات الإسرائيلية تنفيذ غارات يومية وتحتل خمس تلال في جنوب لبنان، إضافة إلى مناطق أخرى تحتلها منذ عقود.

جوهر الخلاف: نزع سلاح حزب الله

تصرّ إسرائيل على نزع سلاح حزب الله بالكامل ليس فقط جنوب الليطاني، بل ضمن منطقة بعمق 30 كيلومترًا من الخط الأزرق. كما تربط أي انسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة بتحقيق تقدم في هذا الملف.

وقد تؤثر المفاوضات الجارية بين سوريا وإسرائيل على الموقف اللبناني تجاه حزب الله وتجاه إسرائيل.

حزب الله هو حركة مقاومة لبنانية مسلّحة، مدعومة من إيران، وكانت تحظى سابقًا بدعم سوريا. 

ويستند الحزب في حقه بالمقاومة إلى استمرار احتلال إسرائيل لمنطقة مزارع شبعا، التي تقع عند التقاء الحدود اللبنانية والسورية والفلسطينية المحتلة.

كما أنّ حزب الله ينخرط في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية تضامنًا مع الفصائل الفلسطينية التي تدعمها إيران وقطر.

وقد أكدت الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين غير قانوني ويجب إنهاؤه.

تعترف الحكومة اللبنانية بأن مزارع شبعا أراضٍ لبنانية، وكذلك الأمم المتحدة ومعظم المجتمع الدولي باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد أعلنت سوريا أيضًا أن مزارع شبعا لبنانية، وهو ما كان أساسًا لدعمها حزب الله.

المفاوضات الحالية بين إسرائيل وسوريا قد تتضمن تغيير الموقف السوري من مزارع شبعا، وقد يُطلب من دمشق الاعتراف بأنها أراضٍ سورية. 

ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، قد تعرض إسرائيل منح مزارع شبعا لسوريا مقابل تنازل الأخيرة عن حقوقها في الجولان.

احتلت إسرائيل الجولان عام 1967 ثم ضمّته عام 1981. وفي 2019، اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالجولان كجزء من إسرائيل، لكن الأمم المتحدة ومعظم دول العالم وسوريا رفضت ذلك. وعندما تولى جو بايدن الرئاسة، أبقى على قرار ترامب بدافع الحفاظ على دعم اللوبي الإسرائيلي (AIPAC).

لقد عانى كل من سوريا ولبنان من الاحتلال الإسرائيلي سابقًا وحاليًا. 

ومن الممكن أن تفضي الأشهر المقبلة والمفاوضات المستمرة إلى نتائج إيجابية، أو أن تستمر السياسة الإسرائيلية الأمريكية في نشر الفوضى في المنطقة.

تم نسخ الرابط