رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

الأزهر من مدريد.. خطاب عالمي يحمي كرامة الإنسان ويواجه التطرف

دكتور عباس شومان
دكتور عباس شومان

في قلب العاصمة الإسبانية مدريد، حيث تتقاطع الثقافات وتتعانق الحضارات، وقف الأزهر الشريف  عبر أمينه العام لهيئة كبار العلماء الدكتور عباس شومان  ليؤكد أن معركة الوعي اليوم لم تعد رفاهية فكرية، بل أصبحت خط الدفاع الأول لحماية المجتمعات من الانقسام والعنف والتشويه الذي تمارسه التيارات المتطرفة في مؤتمر دولي يعقده المركز الثقافي الإسلامي تحت عنوان «دور المؤسسات الدينية في صناعة وعي آمن الأزهر الشريف أنموذجًا»، طرح شومان رؤية الأزهر كمرجعية دينية عالمية تسعى لتجديد الخطاب الإنساني المشترك، وتكريس قيم الرحمة، والتسامح، واحترام الخصوصيات الدينية والثقافية، باعتبارها الضمانة الكبرى لسلام العالم واستقراره.

خطاب عالمي ينطلق من الأزهر: كرامة الإنسان أولًا

أكد الدكتور عباس شومان أن رسالة الأزهر  بقيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب  تستند إلى رؤية عابرة للحدود تتعامل مع الإنسان بوصفه قيمة عليا تستحق الحماية والاحترام. 

وشدد على أن الأزهر لم يحد يومًا عن الرسالة التي حملها الإسلام للعالم، رسالة الرحمة والتنوع الإنساني، مشيرًا إلى أن الأديان السماوية كافة التقت على قاعدة واحدة: «التعايش ونبذ العنف».

وأوضح أن الخطاب الديني الأزهري يتأسس على مبادئ ثابتة لا تتغير بتبدل الظروف، أهمها أن حرمة الدم الإنساني مقدّسة «بديهةً وعقيدةً»، وأن احترام الخصوصيات الثقافية والدينية للآخرين ليس خيارًا ناعمًا، بل قاعدة شرعية أصيلة تُبقي الأمم مستقرة وتحفظ المجتمعات من صدام الهويات واستشهد شومان بآيات قرآنية تؤكد وحدة الأصل الإنساني وضرورة التعارف والتواصل بين البشر، موضحًا أن القرآن حين يخاطب «الناس» يخاطبهم من منظور إنسانيتهم المشتركة.

منابر الأزهر العالمية.. تعزيز للتعايش وتحصين للعالم من العنف

خلال كلمته، استعرض أمين عام هيئة كبار العلماء نماذج من المبادرات التي أطلقها الأزهر لترسيخ ثقافة العيش المشترك، مؤكدًا أن المؤسسة الدينية الأعرق في العالم الإسلامي لم تكتفِ بالخطاب النظري، بل قدّمت “نماذج عملية” ترجمت فكرها إلى واقع ملموس.

أبرز المبادرات التي أشار إليها شومان:

بيت العائلة المصرية الذي يجمع الأزهر والكنيسة في إطار واحد لتطويق الأزمات الاجتماعية والطائفية.

وثيقة الأخوّة الإنسانية الموقّعة في أبوظبي بين الإمام الأكبر والبابا فرنسيس، والتي أصبحت مرجعًا عالميًّا للعلاقات بين أتباع الأديان.

حوارات الشرق والغرب التي عمل من خلالها الأزهر على فتح قنوات التواصل مع المؤسسات الدينية والفكرية العالمية.

مبادرة صناع السلام التي حملت خطابًا تجديديًّا إلى الشباب، وربطت بين العقل الديني والفكر المعاصر.

وأكد شومان أن هذه المبادرات ليست أحداثًا عابرة، بل محطات متتابعة ترسخ دور الأزهر كصوت عالمي للسلام في زمن تتلاطم فيه الصراعات.

التطرف.. مرض حضاري لا علاقة له بالأديان

في واحدة من أهم رسائل كلمته، شدّد شومان على أن التطرف والعنصرية لا يخرجان من رحم الأديان، وإنما ينشآن حين تجور المادية على القيم، فتتراجع الأخلاق ويتحول الدين من رسالة للهداية إلى أداة للاستغلال السياسي أو الفكري.

وأشار إلى أن التجارب التاريخية أثبتت أن غياب العدل وانحراف بوصلة القيم هما البوابة التي خرج منها التطرف في كل المجتمعات. وقال إن الدين لم يكن يومًا مصدرًا للصراع، ولكن «أُسيء استخدامه» حين جرى توظيفه خارج مقاصده في بناء الإنسان والأوطان.

التكنولوجيا وصناعة الوعي.. سلاح ذو حدّين

سلّط أمين عام هيئة كبار العلماء الضوء على دور التكنولوجيا الحديثة في تشكيل وعي الأجيال، معتبرًا أنها أصبحت «أكبر أدوات توجيه العقول» في عالم اليوم. لكنه حذر من استخدامها بعيدًا عن منظومة قيمية واضحة، لأن ذلك قد يؤدي كما قال إلى «تمزيق نسيج المجتمعات بدل بنائه».

وأشار إلى أن التقدّم التقني دون قيم إنسانية يعيد إنتاج التطرف بأشكال جديدة، تجعل المواجهة الفكرية أكثر تعقيدًا، وهو ما يفرض على المؤسسات الدينية  وعلى رأسها الأزهر  تطوير أدواتها في خطاب الشباب، وبناء وعي قادر على التمييز بين الحرية والفوضى، وبين النقد المسؤول والدعوات الهدّامة.

الحضارات لا تنهض بالإقصاء.. والانفتاح شرط الاستقرار العالمي

توقف شومان عند درس تاريخي مهم: لم تقم حضارة في التاريخ على الإلغاء أو الإقصاء فكل الحضارات الرائدة  بحسب قوله  ارتكزت على الانفتاح والتسامح، وإتاحة مساحات واسعة للتبادل المعرفي والثقافي. 

وأكد أن هذا المبدأ يشكل أساس تجربة الأزهر الممتدة منذ أكثر من ألف عام، حيث احتضن الأجناس والأعراق واللغات المختلفة تحت سقف علم واحد.

وأضاف أن الأزهر يمثل اليوم الخبرة التاريخية التي يحتاج إليها العالم في مواجهة صدام الحضارات، فهو مؤسسة جمعت العلم الشرعي بالحوار، والتقليد بالتجديد، وأصبحت ركيزة أساسية في مواجهة خطاب الكراهية وفي دعم ثقافة الاندماج الإيجابي.

تم نسخ الرابط