برنامج دولة التلاوة.. المنبر الجديد لصناعة القارئ المصري
في لحظة فارقة من تاريخ المشروعات الدينية والثقافية في مصر، جاء برنامج دولة التلاوة ليقدّم نموذجًا غير مسبوق في رعاية المواهب القرآنية وتطوير مهارات التلاوة لدى النشء والشباب، مستندًا إلى إرث قوي صنعته أجيال من القرّاء المصريين الذين شكّلوا وجدان العالم الإسلامي لعقود طويلة.
لم يعد الأمر مجرّد مسابقة أو عرض تلفزيوني بل مشروع دولة كاملة، تتعاون فيه المؤسسات الدينية والإعلامية لإحياء المدرسة المصرية في الترتيل والتجويد، وإعادة تصديرها للعالم بعد سنوات من التراجع.
ومنذ انطلاق أولى حلقاته في نوفمبر 2025، جذب البرنامج اهتمامًا جماهيريًا واسعًا، وأسهم في إبراز أصوات جديدة تُنبئ بعودة قوية لهيبة التلاوة المصرية التي طالما صنعت رموزًا خالدين في ذاكرة المسلمين.
فكرة البرنامج: من المسابقة إلى بناء دولة صوتية كاملة
لا يقف دولة التلاوة عند حدود المنافسة التقليدية؛ إذ تم تصميمه كبرنامج شامل يجمع بين الاختبار، التأهيل، التدريب العلمي، والرعاية المستمرة بعد انتهاء البث، في خطوة غير مسبوقة في مجال البرامج القرآنية.
تهدف الفكرة إلى اكتشاف المواهب الصغيرة والشابة، ثم تطويرها من خلال لجان تحكيم تضم نخبة من المتخصصين في الأصوات والمقامات وأحكام التلاوة وعلوم القرآن.
يرتكز البرنامج على مبدأين رئيسيين:
1. إحياء المدرسة المصرية في الترتيل التي تميّز بها عمالقة مثل الشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ عبد الباسط، والحصري، والمنشاوي، وغيرهم.
2. صناعة أجيال جديدة من القرّاء القادرين على حمل هذا الإرث وإعادة تقديمه بروح العصر دون المساس بأصالته.
البرنامج مكوّن من موسم واحد حتى الآن، تعرض حلقاته على عدة قنوات، وتبلغ مدة الحلقة حوالي ساعة كاملة تتضمن تلاوات متتابعة، تعليقات علمية، ومنافسات بين المتسابقين.
يعد البرنامج ثمرة تعاون بين وزارة الأوقاف المصرية والجهة الإعلامية المنتجة، ضمن رؤية واضحة تجعل من القرآن الكريم محورًا لصناعة إعلامية راقية ومؤثرة.
وتتولاها فرق متخصصة تشمل:
لجان علمية لمراجعة الأداء القرائي وفق أحكام القراءات.
لجان صوتية لاكتشاف قدرة المتسابق على تطويع المقامات والنغم.
لجان تدريبية تشرف على صقل الأداء قبل الظهور المباشر.
هذه المنظومة جعلت البرنامج أقرب إلى أكاديمية قرآنية متكاملة تعمل أمام الجمهور.
لجنة التحكيم: مزيج من العلم والخبرة والمدرسة الصوتية
تتميّز لجنة التحكيم بتنوع تخصّصاتها بين علم التجويد، الأداء الصوتي، المقامات، والخبرة العملية الطويلة، وهو ما يمنح المتسابقين تقييمًا شاملًا وعميقًا.
كما تتسم اللجنة بالصرامة العلمية إلى جانب الدعم النفسي والمعرفي للمتسابقين، ما يجعلها جزءًا أساسيًا من نجاح التجربة.
تتنوّع تقييمات اللجنة بين:
جودة الأحكام.
سلامة المقامات.
إدارة النفس وطول الجملة.
جودة الصوت ونقائه.
القدرة على الأداء التعبيري للنص القرآني.
رحلة المتسابق: من الاختبار الأول إلى الصعود على منصة التتويج
لا يكتفي البرنامج بعرض تلاوة للمتسابق؛ بل يمر المتسابق عبر مراحل متدرجة:
1. الاختبارات الأولية
يشترك آلاف من القرّاء الشباب، وتُعرض أصواتهم على لجان متخصصة لاختيار الأفضل.
2. مرحلة التدريب والتأهيل
يحصل المتسابقون على تدريب مقسم إلى:
تدريب صوتي (النَفَس – النبرة – المقامات).
تدريب قرائي (أحكام – مخارج – وقف وابتداء).
تدريب أدائي (الخشوع – التعبير عن المعنى – التلوين الصوتي).
3. مرحلة الحلقات التلفزيونية
يتنافس المتسابقون أمام لجنة التحكيم والجمهور، ويحصل كل منهم على تقييم مفصل في نهاية كل حلقة.
4. مرحلة التتويج والرعاية
البرنامج يمنح جوائز مالية تتجاوز 3.5 مليون جنيه مصري، إلى جانب تبنٍّ علمي من أساتذة متخصصين يستمر حتى بعد انتهاء الموسم.
القيمة الدينية والثقافية للبرنامج
يمثّل دولة التلاوة مشروعًا وطنيًا يعيد الاعتبار للهوية الصوتية المصرية التي طالما قادت العالم الإسلامي في مجال تلاوة القرآن.
ويأتي البرنامج استكمالًا لدور الأزهر الشريف والمنابر المصرية التي قدّمت للعالم نماذج لا تُنسى من القرّاء الذين صاروا رموزًا عالمية.
يسهم المشروع في:
ترسيخ مرجعية مصرية في الأداء القرآني.
إعادة تعريف القرّاء الشباب بدور المدرسة المصرية وأعلامها.
مواجهة موجة التقليد العشوائي لمدارس أخرى.
إحياء قيم التذوق القرآني لدى الجمهور العام.
الأثر المجتمعي: لماذا حظي دولة التلاوة بهذا الاهتمام؟
حركة الجماهير نحو متابعة البرنامج ليست وليدة الصدفة إذ تعبّر عن توقٍ قديم لدى الجمهور المصري لرؤية صوت القرآن يعود إلى الصدارة.
ويقدّم البرنامج عنصرًا مهمًا: النموذج الملهم؛ فالأطفال والشباب يرون متسابقين في أعمارهم يتألقون، فيحفزهم ذلك على الاقتداء بهم.
كما يشكّل البرنامج مساحة راقية تُعيد للمجتمع:
حضور القرآن في الإعلام.
الاحترام المتبادل بين المشاهد والمتسابق.
التركيز على القيم الروحية والجمالية للنص القرآني.
تقنيات الإنتاج: احترافية غير مسبوقة في البرامج الدينية
جاءت الحلقات بإخراج بصري حديث، يعتمد على:
جودة صوت استثنائية تناسب جمال التلاوة.
تصوير ديناميكي يبرز ملامح الخشوع والانفعال.
مؤثرات ضوئية بسيطة لكنها معبّرة.
ديكور مصمم بروح تتناسب مع قدسية المحتوى.
هذه التفاصيل جعلت التجربة قريبة من العين والأذن، ومنحت التلاوة حضورًا مرئيًا وصوتيًا قويًا.