رئيس مجلس الإدارة
رضا سالم
رئيس التحرير
نصر نعيم

هل السحر ووقف الحال حقيقة شرعية أم خداع مشعوذين؟.. الإفتاء تجيب

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بين خوف يتسلل إلى النفوس، وتساؤلات تتردد على ألسنة كثيرين، يعود ملف السحر ليحتل مساحة واسعة من النقاش المجتمعي والديني فقصص وقف الحال وربط الزواج والإيذاء النفسي والبدني باتت واحدة من أكثر الحكايات تداولًا، خصوصًا مع انتشار الدجالين والعرافين الذين يعرضون حلولًا سحرية لمشكلات حياتية ونفسية معقدة.

وفي ظل هذا الارتباك، تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالًا من فتاة تشتكي شعورًا بالإعياء كلما تقدّم أحد لخطبتها، ما دفعها إلى زيارة عرّاف أخبرها بأن عملًا قد وضع لها السؤال فتح الباب أمام قضية أوسع: هل للسحر حقيقة فعلًا؟ وما حدوده؟ وما موقف الشرع من الذهاب إلى الدجالين؟ وكيف يُعالِج الإنسان وساوس السحر وخوفه منه؟

السؤال الذي أثار الجدل.. حالة فتاة بين الخوف والاعتقاد بالسحر

بدأت القضية برسالة وردت إلى دار الإفتاء المصرية من فتاة تقول فيها إنها تعاني من تدهور صحي مفاجئ كلما تقدم أحد للزواج منها، ثم تستعيد عافيتها بمجرد رفضه. هذه الحالة، بدت لها علامة على أن أحدهم قد عمل لها عملًا لوقف الحال، وذهبت بالفعل إلى أحد العرافين الذي أكد لها ذلك.

من هنا جاء تساؤلها: هل السحر له حقيقة؟

وهل يمكن أن يسبّب مرضًا أو تعطيلًا؟

وهل يجوز الذهاب إلى المعالجين؟

وما العلاج الشرعي لهذه الحالة؟


السحر في القرآن والسنة

أكدت دار الإفتاء في ردّها أن السحر مذكور في القرآن الكريم في أكثر من موضع، وأن السنة النبوية أثبتته، بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحر من قِبل لبيد بن الأعصم.

السحر حقيقة باعتبار الوجود، وليس قوة ذاتية مؤثرة

توضح الآية الكريمة: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾ أن السحر موجود لكنه غير مؤثر بذاته، إنما تأثيره مرهون بمشيئة الله وحده، ما ينفي عنه القدرة المطلقة التي ينسبها إليه الدجالون.

السحر تخييل أحيانًا وتأثير نفسي أحيانًا

تقدم الآيات مثالًا لسحرة فرعون، إذ قال تعالى: ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ فالحبال والعصي لم تتحول إلى ثعابين حقيقة، وإنما كان ذلك خداعًا بصريًا.

هنا يفصل العلماء بين: سحر حقيقي له أثر نفسي أو تفريقي.

وسحر تخييل وشعوذة وخداع.


موقف الشرع من الذهاب إلى الدجالين والعرافين

دار الإفتاء شددت بوضوح أن اللجوء إلى العرافين والمشعوذين محرّم، واستندت إلى الحديث النبوي: «مَن أتى عرّافًا أو كاهنًا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد».

لماذا هذا التشديد؟

لأن الذهاب إلى العراف يتضمن:

نسبة القدرة على كشف الغيب لغير الله.

الاعتقاد بأن المخلوق يملك الضر والنفع.

الوقوع في الخداع والدجل وابتزاز الأموال.

تمهيد الطريق لاختراق نفسي واجتماعي خطير.


الإفتاء أكدت أن الاعتقاد بأن الساحر أو العراف هو صاحب التأثير هو انحراف عن عقيدة التوحيد.

الإيمان بالقضاء والقدر.. أساس الوقاية من وساوس السحر

أشارت الفتوى إلى ضرورة ترسيخ الاعتقاد بأن: كل شيء يقع بإذن الله.

الضرر والنفع بيده وحده.

السحر لا يعمل إلا إن شاء الله وقوعه ابتلاءً.

الإنسان مسؤول عن إصلاح نفسه، لا عن مطاردة الأوهام.


ودعت الإفتاء الفتاة إلى تعزيز صلتها بالله عبر الصلاة والذكر والاستغفار وقراءة القرآن، لأن هذه العبادات ليست فقط حصنًا شرعيًا، بل أيضًا حماية نفسية من أوهام الإيذاء
الجدل الفقهي.. هل السحر حقيقة أم تخييل؟

رأي جمهور العلماء: للسحر حقيقة وتأثير

استدلوا بعدة آيات منها: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ﴾

﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾

﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾.


هذه الأدلة تثبت أن بعض صور السحر لها تأثيرات واقعية خاصة في العلاقات النفسية والاجتماعية.

رأي المعتزلة وبعض العلماء: السحر مجرد خداع

يعتبرون أن السحر لا حقيقة له، وأنه:

1. تخييل.

2. كهانة.

3. نميمة.

4. احتيال.

واستدلوا بأن السحرة لو كانوا يمتلكون قدرات خارقة كما يدّعون، لغيّروا الواقع، وحكموا البلاد، واستخرجوا الكنوز، وما كانوا في هذه الحاجة والضعف.

التحقيق الشرعي.. أي الرأيين أقرب؟

الإفتاء تميل إلى رأي الجمهور، مؤكدة:

أن السحر له وجود وأثر لكنه محدود.

أنه لا يغيّر الحقائق الكونية.

أنه يؤثر بإذن الله فقط.

أنه غالبًا يكون بالاستعانة بشياطين.

بين السحر والمرض النفسي.. ضرورة التمييز العلمي

كثير من الحالات التي تُنسب إلى السحر قد تكون في الحقيقة:

اضطراب قلق.

وساوس قهرية.

خوف اجتماعي.

صدمات نفسية.

حساسية تجاه العلاقات العاطفية.


أما الأعراض النفسية مثل الإعياء والتوتر عند مواجهة حدث مصيري مثل الزواج فقد تكون مرتبطة بعوامل نفسية عميقة، لا علاقة لها بالسحر مطلقًا.

ولهذا توصي المؤسسات الدينية دائمًا بالجمع بين:

العلاج الروحي: ذكر وقرآن ودعاء.

العلاج الطبي والنفسي عند الضرورة.

العلاج الشرعي من السحر ووساوسه

1. الثبات على التوحيد

وذلك باليقين أن الله وحده هو الضار والنافع.

2. تجنب العرافين تمامًا

لأنهم بوابة إلى الانحراف العقائدي والاستغلال.

3. الإكثار من الأذكار الشرعية

مثل:

آية الكرسي

سورة البقرة

المعوذتين

الاستغفار

الدعاء المأثور


4. الالتزام بالصلاة في وقتها

فهي مصدر راحة نفسية وروحية.

5. قراءة الرقية الشرعية الصحيحة

ويشترط أن تكون من القرآن والسنة فقط.

6. الاستعانة بمن يوثق بهم من أهل العلم

لا بما يسمى معالجين بالقرآن ممن يمارسون الدجل تحت غطاء ديني.


قراءة اجتماعية.. لماذا يزداد الاعتقاد بالسحر؟

تفسير الظاهرة يرتبط بعدة عوامل:

ضغوط اقتصادية ونفسية تجعل الشخص يبحث عن تفسير خارجي لأزماته.

ضعف الثقافة الدينية الصحيحة.

انتشار المحتوى الروحاني على وسائل التواصل.

رغبة الإنسان في تفسير ما لا يفهمه من قلق أو توتر.

وجود تجارب متداولة تزيد الإيحاء والخوف.

 

تم نسخ الرابط