لغات الأنبياء.. من العربية إلى السريانية بين الرواية والتاريخ
منذ قرون طويلة، ظلّ سؤال لغات الأنبياء واحدًا من أكثر الأسئلة التي تُثير فضول الباحثين والمهتمين بتاريخ الرسالات السماوية: هل تحدّث الأنبياء جميعًا بالعربية لأنها لغة القرآن؟ أم أن لكل نبيٍّ لغةً حمل بها رسالته إلى قومه؟
ومع رواج النقاش حول أصل اللغات، وتزايد اهتمام الأجيال الحديثة بمعرفة تفاصيل حياة الأنبياء عليهم السلام، عاد هذا السؤال ليشغل العقول مجددًا، خصوصًا في ظل انتشار آراء مختلفة حول أصل اللغات، وأبرزها رأي من قال إن العربية هي أمّ اللغات.
العربية.. أصل اللغات أم واحدة من أقدمها؟ بين الرأي العلمي والاجتهاد الفكري
في محاولة للإجابة عن هذا السؤال، يبرز رأي المفكر الإسلامي الراحل الدكتور مصطفى محمود، الذي خاض تجربة طويلة في تتبع أصل اللغات، كما وثّق ذلك في أحد تسجيلاته المصوّرة.
يقول الدكتور مصطفى محمود إنه تأمل طويلاً كلمة "كهف" العربية، فوجد لها نظائر شبه مطابقة في الإنجليزية والفرنسية والإيطالية واللاتينية، ما دفعه للتساؤل: أي اللغات أخذت عن الأخرى؟ وأيها الأصل؟
قد يبدو السؤال بسيطًا للوهلة الأولى، لكن الإجابة عليه تستدعي الغوص في علم اللغويات، والعودة إلى جذور الكلمات قبل آلاف السنين، وهو ما جعله يصف الأمر بأنه يحتاج إلى عمر كامل من البحث.
اللغة العربية أصل اللغات.. كتاب أشعل النقاش العلمي
يروي الدكتور مصطفى محمود أنه وقع على كتاب بعنوان اللغة العربية أصل اللغات لمؤلفته الباحثة المتخصصة في اللغويات تحية عبد العزيز إسماعيل، التي أمضت عشر سنوات تبحث في المخطوطات والوثائق واللغات القديمة قبل أن تخرج برأيها القائل بأصالة العربية.
ويرى مصطفى محمود أن الكتاب يشكّل فتحًا جديدًا في عالم اللغويات، مشيرًا إلى الجداول التي تظهر التقاطعات الواسعة بين العربية وعدد كبير من اللغات، منها: الإنجليزية واللاتينية والأنجلوساكسونية والفرنسية واليونانية والإيطالية والسنسكريتية.
وتكشف هذه الجداول حجم الاشتراك اللفظي والجذري بين العربية ولغات كانت تبدو بعيدة، مما يعزز النقاش حول أثر العربية أو تقاطعها مع لغات الحضارات القديمة.
لكن، ورغم هذا الطرح، يبقى سؤال لغات الأنبياء قائمًا: هل تكلموا جميعًا العربية؟
الإجابة التي تجمع عليها كتب التاريخ والأنساب واللغويين هي: لا لغات الأنبياء كانت متعددة، بحسب أقوامهم وأزمانهم.
الأنبياء ولغاتهم.. قراءة موسعة في المصادر التاريخية والدينية
يعرض هذا الجزء من التحقيق ما اشتهر وتواتر من لغات الأنبياء، اعتمادًا على الروايات المعتبرة في كتب السِّير والتاريخ، دون الجزم بما لم يثبت بدليل قاطع.
سيدنا آدم عليه السلام… اللغة الأولى بين العربية والسريانية
تذكر بعض الروايات أن الله تعالى علّم آدم جميع اللغات، وأن لغته في الجنة كانت العربية، بينما تشير روايات أخرى إلى أنه بعد هبوطه إلى الأرض تكلم السريانية.
ومع غياب نصٍ قاطع، يبقى آدم نموذجًا للغة الأولى التي تعددت حولها الآراء بين العربية، والسريانية، واللغات الأولى للبشر.
نبي الله إدريس عليه السلام… السريانية لغة الحكمة الأولى
يُذكر أن إدريس، وهو من أوائل الأنبياء بعد آدم، كان يتحدث السريانية، وهي من أقدم اللغات التي سبقت ظهور العربية المتأخرة.
النبي شيث عليه السلام… استمرار السريانية
يُروى أن شيث، وهو من أبناء آدم، كان لسانه السريانية كذلك، إذ كانت هي اللغة الأكثر انتشارًا في تلك الحقبة المبكرة من حياة البشر.
النبي هود عليه السلام… العربية لغة قوم عاد
أرسل هود إلى قوم عاد، ويُجمع المفسرون على أنه تحدث العربية، وأن قومه كانوا من العرب البائدة الذين كانوا قبل إسماعيل عليه السلام.
النبي نوح عليه السلام… السريانية لغة الدعوة الأولى
يُعتقد على نطاق واسع أن نوح أول الرسل كان يتحدث السريانية، وهي اللغة المنتشرة في الحضارات القديمة في الشرق الأدنى.
النبي صالح عليه السلام… العربية لغة ثمود
كان صالح يتحدث العربية، لأن قومه ثمود كانوا أيضًا من العرب البائدة، ويظهر ذلك في الروايات المتعددة التي ذكرت لسانهم العربي القديم.
إبراهيم الخليل عليه السلام… بين السريانية والعبرية
إبراهيم من أكثر الأنبياء الذين ارتبطوا بلغتين:
السريانية: لغته الأولى في موطنه الأصلي قبل خروجه.
العبرية: تعلمها –وفق الروايات– بعد عبوره الفرات فرارًا من ظلم نمرود، إذ كان هذا الملك يلاحق كل من يتحدث بالسريانية، فبدّل إبراهيم لسانه إلى العبرية.
النبي لوط عليه السلام… لسان العبرية والسريانية
لوط، ابن أخ إبراهيم، كان يتحدث العبرية والسريانية معًا، تبعًا للبيئة المشتركة مع خليل الرحمن.
النبي إسماعيل عليه السلام… مؤسس العربية العدنانية
يُطلق على إسماعيل لقب “أبو العرب”، إذ يُعتقد أنه تكلم العربية وتعمق فيها، وكان اختلاطه بالقبائل العربية في مكة سببًا في انتشار العربية العدنانية.
النبي إسحاق عليه السلام… السريانية لسان بني إسرائيل الأول
كان إسحاق يتحدث السريانية، وهي اللغة الأم للعديد من أنبياء بني إسرائيل الذين جاؤوا من نسله.
النبي يعقوب عليه السلام… بين العبرية والسريانية
يتحدث يعقوب المعروف باسم إسرائيل بلغتين:
السريانية لغة الآباء
العبرية لغة أبنائه وقومه
النبي يوسف عليه السلام… مزيج بين السريانية والقبطية
يوسف عليه السلام عاش في مصر، وتعلم القبطية (اللغة المصرية القديمة)، إلى جانب السريانية لغة أسرته.
النبيان موسى وهارون عليهما السلام… القبطية لغة الدعوة في مصر
عاش موسى وهارون في مصر، فكانت لغتهما الأساسية القبطية، وهي اللغة التي كان يفهم بها فرعون وقومه.
الأنبياء داود وعيسى ويونس عليهم السلام الآرامية لغة الوحي في الشرق القديم
الآرامية كانت اللغة السائدة في المنطقة الممتدة من الشام إلى العراق، وقد تكلم بها أنبياء عديدون، منهم: داود وعيسى ويونس، وهي قريبة من السريانية والعبرية.
الرسول محمد ﷺ… العربية لغة آخر الرسالات
خاتم الأنبياء محمد ﷺ تحدث العربية الفصحى، ونزل القرآن بلسانه، فأصبحت العربية لغة الرسالة الخاتمة التي بقيت محفوظة دون تحريف.