دار الإفتاء: تعليق صور المتوفى مباح بشروط.. وملابسه تُورث شرعًا
هل تعليق صور الميت حرام؟، لا سيما حين تكون الصورة للأب أو الأم الراحلين، الذين يخلّد الأبناء ذكراهم بوضع صورهم في صدارة المنزل، تذكّرًا لأيامٍ مضت ودعاءً متجددًا بالرحمة والمغفرة.
ومع تكرار التساؤلات واختلاف الآراء، جاء توضيح دار الإفتاء المصرية ليضع حدًّا لهذا الجدل الديني والاجتماعي مؤكدةً أن تعليق صور المتوفى ليس محرّمًا شرعًا، ما دامت الصور منضبطة بالآداب الشرعية ولا تثير فتنة أو خلوًا من الاحتشام.
دار الإفتاء: تعليق صور الوالدين تذكار مشروع وليس حرامًا
في فتوى رسمية وردت إلى دار الإفتاء المصرية، سأل أحد المواطنين عن حكم تعليق صور والديه المتوفيين عند مدخل شقته، تلمّسًا للدعاء لهما بالرحمة والمغفرة من كل من يراهما.
وجاء رد الدار واضحًا بأن هذا الفعل جائز شرعًا، وأن التعليق للغرض النبيل الذي يقصد به الدعاء والذكرى الطيبة لا حرمة فيه، مؤكدة أن الإسلام لا يحرّم العاطفة الصادقة ولا يمنع الإنسان من الاحتفاظ بذكرى أحبته.
وقالت دار الإفتاء: "يجوز للأحياء تعليق صور ذويهم المتوفين شرعًا، ولا بأس أن تكون الصور كاملة أو غير كاملة، بشرط أن تكون صورة الأم أو الأنثى فيها محتشمة، وألا تدعو الصورة إلى الفتنة أو المفسدة".
وأضافت الدار أن القول بتحريم الصور الفوتوغرافية قولٌ غير صحيح، لأن التصوير الفوتوغرافي ليس من باب المضاهاة لخلق الله، وهو المقصود بالتحريم في الأحاديث النبوية.
وأوضحت أن التصوير الفوتوغرافي في حقيقته "حبس للظل" وليس خلقًا جديدًا، فهو توثيق لهيئة موجودة أصلاً، وبالتالي لا يدخل في النهي الوارد بشأن صنع التماثيل.
وأكدت الفتوى أن الحكم الشرعي يدور مع علّته، فإذا انتفت العلة زال الحكم، موضحة أن التحريم مرتبط بصنع التماثيل المجسمة التي كانت تُعبد أو تُقصد بها المضاهاة لخلق الله، لا بالصور العادية التي تحفظ الذكرى وتوثق اللحظات.
شرط الاحتشام هو الضابط الشرعي
وشددت دار الإفتاء على أن الشرط الجوهري في جواز تعليق الصور هو الاحتشام وعدم الفتنة، مؤكدة أن الصور التي تخلو من العري أو المظاهر المخالفة للآداب العامة لا بأس بتعليقها في المنازل، سواء كانت للمتوفين أو للأحياء.
وأضافت أن نية الشخص تلعب دورًا مهمًا، فإذا كان القصد الدعاء والتذكر والرحمة، فإن الفعل يدخل في باب المباحات، بل قد يتحول إلى عمل صالح إذا اقترن بالدعاء للميت.
الاحتفاظ بمتعلقات المتوفى.. بين العاطفة والشرع
وفي سياق متصل، أوضح الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، حكم الاحتفاظ بملابس الميت وأغراضه الشخصية، مؤكدًا أنها تُعد جزءًا من التركة الشرعية التي يجب تقسيمها بين الورثة.
وأشار إلى أن ملابس المتوفى وأدواته الشخصية كانت ملكًا له في حياته، وبمجرد وفاته تصبح من ماله الذي يجب توزيعه وفقًا لقواعد الميراث الشرعي.
وقال وسام: "لا يجوز لأحد الورثة الاحتفاظ بهذه الأشياء دون علم باقي الورثة أو دون إذنهم، لأنها حق مشترك بينهم، ولا يملك أحد التصرف فيها إلا برضاهم".
وأوضح أن الاحتفاظ بمتعلقات الميت بدافع الحب أو الذكرى لا بأس به شرعًا إذا تم برضا الورثة جميعًا، أما إذا ترتب عليه حرمان أحدهم من حقه المالي، فيصبح تصرفًا غير جائز شرعًا.
الدعاء للميت.. طوق نجاة في البرزخ
تختم دار الإفتاء فتواها بالتأكيد على أن أفضل ما يُهدى للميت هو الدعاء والصدقة، إذ تبقى هذه الأعمال من أعظم الصلات بين الأحياء والأموات.
وقد وردت في السنة النبوية أدعية كثيرة ترفع مقام الميت وتبدل حاله في قبره من عذاب إلى نعيم.
ومن أجمل الأدعية المأثورة:
"اللهم اجعل قبره روضةً من رياض الجنة، ولا تجعله حفرةً من حفر النار، اللهمّ افسح له في قبره مدّ بصره، وافرش قبره من فراش الجنة".
"اللهم اغفر لميتنا، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين".
"اللهم اجعل قبره في نور دائم لا ينقطع، واجعل عمله الصالح شفيعًا له يوم الدين".
وأكد علماء الإفتاء أن الدعاء الصادق يصل إلى الميت وينتفع به، كما أخبر النبي ﷺ: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
بهذا التوضيح الحاسم، تؤكد دار الإفتاء المصرية أن الإسلام دين الرحمة والتوازن، لا يحرم العاطفة الإنسانية ولا يمنع الذكرى الجميلة للراحلين، ما دامت لا تخرج عن حدود الأدب والاحتشام.
فتعليق صورة أمٍ أو أبٍ راحلٍ تذكارًا ودعاءً لهما بالرحمة ليس حرامًا، بل هو تعبير إنساني راقٍ يربط الأحياء بالأموات برابط الدعاء والوفاء.