عباس شومان من جاكرتا: العدل قوة الأمم وسلاحها لحماية السلام العالمي
في مشهد يجسد الحضور العالمي للأزهر الشريف، شارك فضيلة الأستاذ الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ورئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، بكلمة مؤثرة في الجلسة الافتتاحية لـ منتدى السلام العالمي التاسع المنعقد بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا.
وفي كلمته، قدم الدكتور شومان رؤية الأزهر المتكاملة لمفهوم السلام في الإسلام، مؤكدًا أن الإسلام دين سلام في جوهره، وأن القوة فيه ليست وسيلة للعدوان بل درع لحماية الأمن والعدل وردع الظلم.
الإسلام دين سلام وعدل.. وليس دين حرب
استهل الدكتور شومان كلمته بالتأكيد على أن الإسلام في أصله دين سلام ورحمة، وأن من يحاولون إلصاق تهمة العنف به إنما يقتطعون النصوص القرآنية من سياقها لخدمة أغراض سياسية أو فكرية مشبوهة.
وأوضح أن آيات القتال في القرآن الكريم لا تتعارض مع آيات السلام، بل جاءت لتكملها وتؤكدها، فهي تشريعات استثنائية هدفها حماية السلام ورد العدوان، وليست دعوة إلى القتل أو العدوان كما يروّج البعض.
وأشار إلى أن القتال في الإسلام ليس عدوانًا بل دفاع مشروع عن النفس والوطن والعقيدة، قائلًا: «نصوص القرآن كلها تدور حول مبدأ رد الاعتداء، لا مبدأ القتل، والمقصود منها منع الظلم وإقرار السلم».
سلام الأقوياء لا استسلام الضعفاء
في سياق حديثه عن مفهوم القوة في الإسلام، شدد الأمين العام لهيئة كبار العلماء على أن السلام الحقيقي لا يتحقق إلا بوجود قوة تحميه، موضحًا أن الإسلام لا يعرف سلام الضعفاء المستسلمين، بل سلام الأقوياء القادرين على حماية أنفسهم وأوطانهم.
وقال شومان: «استعمال القوة في الإسلام يكون لحماية السلام لا لهدمه، فالقوة هي الضمانة الحقيقية لاستقرار المجتمعات وصون الكرامة الإنسانية».
وانتقل الدكتور شومان في كلمته إلى استعراض الجهود العالمية للأزهر الشريف في ترسيخ مفاهيم السلم والتعايش والمواطنة، مؤكدًا أن الأزهر ينطلق في رسالته من الفهم القرآني العادل للسلام، حيث يجمع بين الدعوة إلى الحوار وبين ضرورة امتلاك مقومات القوة.
وسرد فضيلته عددًا من المبادرات والمؤتمرات التي تبناها الأزهر في هذا الإطار، مثل:
مؤتمر الحرية والمواطنة الذي دعا إلى المساواة بين أبناء الوطن الواحد.
بيت العائلة المصرية، كمنصة لترسيخ الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين.
مجلس حكماء المسلمين، الذي يسعى لحل النزاعات الطائفية عبر الحوار.
وثيقة الأخوة الإنسانية الموقعة بين فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب والبابا فرنسيس، والتي تعد من أهم الوثائق الإنسانية في العصر الحديث، وتدعو إلى الاحترام المتبادل ونبذ الكراهية والعنف بين أتباع الأديان والثقافات.
وأكد شومان أن هذه الجهود ليست شعارات، بل خطوات عملية لتجسيد رسالة الإسلام في بناء عالم يسوده العدل والمساواة والتعاون
لم يخفَ على الدكتور شومان أن السلام العالمي ما زال رهينًا بازدواجية المعايير التي تمارسها بعض القوى الغربية في تعاملها مع قضايا العالم الإسلامي.
فقد وجه فضيلته نقدًا صريحًا إلى المواقف الغربية المتناقضة، متسائلًا: «أين كانت إنسانية العالم حين كانت غزة تُقصف وتُباد؟ لماذا تهتز بعض المؤسسات لوفاة فردٍ واحدٍ من جانب، بينما لا تتحرك أمام مئات الأطفال والنساء الذين يُقتلون في الجانب الآخر؟».
وأشار إلى أن ما يحدث في فلسطين والسودان والعراق وليبيا والبوسنة والهرسك يكشف زيف الشعارات التي ترفعها بعض الدول عن حقوق الإنسان، مؤكدًا أن السلام لا يمكن أن يقوم على الظلم أو الكيل بمكيالين.
دعوة لإيقاف سباق التسلح وتحويله إلى تنمية
في طرحه لرؤية الأزهر المستقبلية، دعا الدكتور شومان إلى تحويل الإنفاق العسكري الهائل إلى مشاريع تنموية تنهض بالإنسان وتحقق الرفاهية والاستقرار للشعوب.
وقال إن مؤتمرات السلام «لن تُثمر ما لم تتجاوز الطابع النظري إلى معالجة القضايا الواقعية التي تهدد أمن الشعوب وكرامتها»، مشددًا على أن الغرب لن يحقق السلام طالما استمر في استخدام القوة والغطرسة لنهب ثروات الأمم الضعيفة.
وفي ختام كلمته، وجه الأمين العام لهيئة كبار العلماء رسالة حاسمة للعالم، قال فيها: «إن الأمة الإسلامية أمة سلام مع من يسالمها، لكنها لن تتخلى أبدًا عن حقها في الدفاع عن نفسها وثرواتها، لأن التهاون في ذلك يعني مزيدًا من الطعنات والانكسارات».
ودعا إلى الوعي بخطورة المرحلة الراهنة التي تمر بها الأمة الإسلامية، مؤكدًا أن الحفاظ على كرامة المسلمين مرهون بوحدتهم وتمسكهم بقيم دينهم التي تدعو إلى العدل والقوة والإصلاح.