شيماء حمدالله تكتب: ثورة نوفمبر المجيدة.. 71 عامًا على ملحمة حررت الجزائر وغيّرت وجه التاريخ
واحد وسبعون عامًا تمضي على الفاتح من نوفمبر 1954، التاريخ الذي انبثق فيه فجر الحرية على أرض الجزائر، لتبدأ واحدة من أعظم الثورات التي شهدها القرن العشرون، ليس في إفريقيا فحسب بل في العالم أجمع.
تلك اللحظة المفصلية لم تكن شرارة عابرة، بل كانت نداء وطنٍ قرّر أن يكتب مصيره بدماء أبنائه، وأن يختار طريق الكرامة مهما كان الثمن.
ثورة الجزائر كتبت التاريخ من جديد
انطلقت الثورة الجزائرية المجيدة بعد عقود من القهر والاستعمار الفرنسي الذي حاول طمس هوية البلاد ومسح ملامحها العربية والإسلامية.
غير أن جذوة المقاومة لم تنطفئ يومًا، فكل قرية جزائرية، وكل جبل ووادٍ، كان يحتضن رجالًا ونساءً يرفضون الخضوع للاستعمار الفرنسي.
منذ أن وطئت أقدام الاستعمار أرض الجزائر، لم تتوقف شرارة الرفض، بل توالت المقاومات الشعبية من الأمير عبد القادر إلى البطولات المتعاقبة التي مهدت لطريق الثورة الكبرى.
إدراك الجزائريون، بعد مجازر الثامن من مايو 1945، أن الاستقلال لن يُسترجع بالمناشدات أو الخطابات، بل بالبندقية التي تُحرر الأرض والإنسان.
عندها اتحدت النضالات وتوحدت الصفوف، فانطلقت ثورة أول نوفمبر في ملحمة جماعية حملت إرادة شعب كامل نحو الحرية والكرامة والعزة.
صدمة الاحتلال الفرنسي
جاء اندلاع الثورة كالصاعقة على الإدارة الفرنسية التي فوجئت بجيشٍ منظم يتحرك بإيمان لا يُقهر، وبقيادة تدرك معنى الوطن وتعرف طريق النصر.
الاستعمار الفرنسي وجد نفسه أمام وضع معقد، فاضطر إلى دعم جيشه بمدد بشري وعتاد حربي متطور، بل استنجد بالحلف الأطلسي (الناتو)، ظنًا منه أن بإمكان القوة أن تُسكت صوت الحق.
لكن التاريخ كتب صفحة مختلفة تمامًا، صفحة مليئة بالإصرار على الحرية من الاستعمار، فجبال الأوراس والهقار والشمال كانت تنطق بدماء الشهداء، وتعلن أن الحرية لا تُقهر مهما اشتد القمع.
فجيش التحرير الوطني، بسلاحه البسيط وإيمانه العميق، استطاع أن يفرض معادلة جديدة على الأرض.
انتصاراته الميدانية أربكت حسابات الاحتلال الفرنسي، ووضعت الإدارة الفرنسية أمام مأزق عسكري وسياسي لم تعرف له مثيلًا من قبل.
في الجبال والسهول، صنع المجاهدون بطولات تُروى للأجيال، وفي المحافل الدولية كانت دبلوماسية الثورة ترفع صوت الجزائر عاليًا أمام العالم، لتُكسبها احترام الأمم وتُحوّل قضيتها من شأن داخلي إلى قضية حرية إنسانية كبرى.
إلى أن تحولت ثورة الأول من نوفمبر مع مرور الزمن إلى مدرسة عالمية في مقاومة الاستعمار.
ألهمت حركات التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وأثبتت أن إرادة الشعوب قادرة على تحطيم أقوى الإمبراطوريات مهما بلغت سطوتها.
ولم تكن الثورة مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت صراع هوية وكرامة وثقافة، أعاد للجزائر روحها ولشعبها صوته.
إرث خالد في ذاكرة الإنسانية
بعد سبعين عامًا واثنتين، ما زالت الثورة الجزائرية حاضرة في الوجدان، تُروى في المدارس، وتُحتفى بها في كل بيت جزائري.
ذاكرتها لا تقتصر على النصر العسكري، بل تمتد إلى الدرس الإنساني الذي قدّمته للعالم: أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بالتضحية والإيمان.
إنها الثورة التي جعلت الجزائر قبلة للأحرار، وصوتًا للأمم التي تبحث عن كرامتها.
إرثها باقٍ في وجدان كل جزائري، ينبض في النشيد الوطني، وفي الأعلام التي ترفرف كل نوفمبر، وفي دعاء الأمهات اللواتي قدّمن أبناءهن فداءً للوطن.
اليوم، وبعد مرور 72 عامًا، تستعيد الجزائر وهجها الثوري في كل ذكرى، لتؤكد أن جذور الحرية ضاربة في عمقها، وأن الأجيال الجديدة تحمل الراية ذاتها.
تاريخ الثورة ليس مجرد ماضٍ يُحتفى به، بل هو حاضر حيّ، يذكّر كل جزائري بأن الاستقلال ثمنه غالٍ، وأن صون الوطن مسؤولية لا تسقط بالتقادم.
مصر والجزائر تجمعهم وحدة المصير والنضال
احتضنت القاهرة اليوم احتفالية مميزة بالذكرى الثانية والسبعين لثورة نوفمبر المجيدة، حضرها سفير الجزائر بالقاهرة محمد سفيان براح، الذي عبّر عن فخره واعتزازه بهذه المناسبة التاريخية الخالدة.
أجواء الاحتفال في القاهرة عكست عمق الروابط بين الشعبين المصري والجزائري، اللذين جمعتهما وحدة المصير ونضال مشترك ضد الاستعمار
هكذا تبقى ثورة نوفمبر المجيدة نبراسًا للأجيال، تضيء درب الحرية والكرامة، وتؤكد أن الجزائر التي حرّرها الأبطال ستبقى دومًا حرة، شامخة، وفيةً لدماء الشهداء.