باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

المتحف المصري الكبير.. ميلاد من نور يربط بين الإيمان والحضارة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في الأول من نوفمبر، تقف مصر على موعد مع التاريخ، لا بوصفها دولة من دول العالم القديم، بل كأمة تحمل في جوهرها رسالة خالدة تجمع بين الإيمان والجمال، بين الروح والحضارة فافتتاح المتحف المصري الكبير ليس مجرد حدث أثري أو ثقافي، بل هو ميلاد روحي جديد لبلدٍ علَّم الدنيا معنى الفن، ومفهوم الإتقان، وأهمية الجمع بين عبقرية الإنسان وإلهام السماء.

بهذه الكلمات المؤثرة وصف الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، الافتتاح المرتقب، معتبرًا أنه "يوم من أيام الله" سيُخلّد في ذاكرة الوطن والعالم، لأنه يتجاوز مفهوم المتاحف إلى فضاءٍ من النور والهداية، يجسّد كيف يتناغم الإيمان مع الإبداع، وكيف يُمكن للجمال أن يكون طريقًا إلى الله.

يرى الدكتور الورداني أن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى أثري عملاق أو صرح حضاري يُضاف إلى الإنجازات المصرية الحديثة، بل هو "رسالة روحية عالمية" تبعثها مصر من قلب التاريخ إلى الإنسانية كلها.

ويقول في حديثه التلفزيوني: "هذا المتحف ليس جدرانًا تحتوي آثارًا، بل فضاء يعبّر عن الروح المصرية القديمة التي رأت في الجمال طريقًا للإيمان، وفي الفن وسيلة لتمجيد الخالق عبر الإبداع".

فالمتحف في جوهره، كما يؤكد، تجسيد لفلسفة الإحسان والإتقان التي دعا إليها الإسلام في قول النبي ﷺ: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» وهو بذلك يعيد تعريف العلاقة بين الإيمان والفن، لا كطرفين متعارضين، بل كجناحين يحلّق بهما الإنسان نحو الحقيقة.

الإتقان المصري القديم

ويستشهد الورداني بالموروث المصري القديم ليؤكد أن الآثار المصرية لم تكن تعبيرًا عن عبادةٍ وثنية كما يُساء فهمها أحيانًا، بل عن إدراكٍ عميقٍ لجلال الله في مخلوقاته. فالمصري القديم  بحسب تعبيره كان يدرك أن الخلود ليس في الحجر، بل في الفكرة، وأن الإبداع في النقش والنحت والرسم لم يكن صنعةً بشرية فحسب، بل إلهامًا ربانيًا ينضح من روحٍ ترى في الكون انعكاسًا لحضور الله.

ولذلك فإن ما نراه اليوم من معابد وتماثيل ومقابر فرعونية، ليس مجرد تاريخ جامد، بل تجسيد لفطرة الإنسان الأولى حين كان يرى الجمال وسيلةً للتعبير عن الشكر للخالق، ومظهرًا من مظاهر السعي نحو الكمال.

الافتتاح.. ميلاد حضارة تجمع بين الإيمان والعقل

يؤكد أمين الفتوى أن مصر اليوم لا تفتتح متحفًا جديدًا فحسب، بل تُعيد إحياء رسالتها الحضارية الممتدة منذ آلاف السنين. فالمتحف المصري الكبير، الذي يقف شامخًا بالقرب من أهرامات الجيزة، يرمز إلى التقاء الماضي بالحاضر، والروح بالعقل، في لحظةٍ تُعيد تعريف معنى النهضة.

ويقول الورداني: "مصر اليوم تُخاطب العالم من قلب حضارتها لتقول: إن الإيمان لا يتعارض مع الفن، وإن العلم لا ينفصل عن الروح، وإن الجمال طريقٌ لله، وليس بعيدًا عن معاني التقوى والعبادة".

فمن وجهة نظره، المتحف ليس مشروعًا أثريًا فحسب، بل مشروع وعي حضاري وإنساني، يذكّر البشرية بأن الحضارة لا تُبنى على الماديات وحدها، بل على نور الإيمان الذي يضيء الفكر ويهذّب الذوق ويمنح الإنسان معنى الوجود.

الورداني يرى أن هذا الحدث الجليل يجمع بين الماضي والحاضر في وحدة متكاملة، تُعلن أن مصر  بما تحمله من عبقرية تاريخية وموقع روحي فريد  ما زالت تؤدي دورها الأبدي كمنارة للبشرية.

فمنذ فجر التاريخ، كانت مصر موطن الأنبياء والعلماء والفنانين، ومسرحًا للرسالات السماوية والحضارات الإنسانية، واليوم تُعيد التأكيد على هذا الدور من خلال متحفٍ لا يقتصر على عرض القطع الأثرية، بل يسرد قصة الإنسان المصري مع الخلود والإيمان والبحث عن النور.

ويضيف: "مصر بهذا المتحف تقول للعالم إن عمران الأرض لا ينفصل عن صفاء الروح، وإن الحضارة الحقيقية تبدأ من الإيمان قبل أن تُبنى بالحجر".

الإيمان بالجمال.. فلسفة مصرية خالدة

في رؤية الدكتور الورداني، المتحف المصري الكبير يُعيد إحياء مفهوم "الإيمان بالجمال"، الذي يُعدّ جوهر كل حضارة راقية. فالفن عند المصري القديم لم يكن ترفًا أو تزيينًا للحياة، بل كان وسيلةً لفهمها. كان جسرًا بين الأرض والسماء، بين الإنسان وربه، بين المادة والروح.

ويقول: "الجمال في الإسلام ليس زينة سطحية، بل قيمة وجودية، وقد قال النبي ﷺ: «إن الله جميل يحب الجمال» فحين نُبدع ونتقن، نحن نُمارس عبادةً من نوعٍ راقٍ، تُقرّبنا إلى الله وتُعلي شأن الإنسان في الأرض".

وهكذا يصبح المتحف المصري الكبير بمثابة ترجمة معاصرة لتلك الفلسفة، فهو لا يعرض القطع الأثرية لتُبهر الأبصار فقط، بل ليدعو إلى التأمل في معنى الخلق، وفي عبقرية الإنسان حين يُسخّر فنه وعقله لخدمة القيم العليا.

الروح المصرية بين الماضي والمستقبل

الورداني يرى أن المتحف يُجسّد الروح المصرية التي لم تنطفئ عبر العصور، تلك الروح التي تجمع بين الإيمان والعقل، بين الأصالة والتجديد، بين عبادة الخالق وإعمار الأرض.

ويقول: "حين يدخل الزائر إلى المتحف، لا يرى مجرد تاريخٍ عظيم، بل يُحسّ بنورٍ يسري في المكان، بنفَسٍ إيمانيٍ يختلط بعظمة الفن، فيدرك أن مصر كانت وستظل بلد النور والإلهام".

فالمتحف لا يروي قصة الفراعنة فقط، بل يحكي قصة الإنسان المصري في رحلته الطويلة نحو الكمال، كيف آمن بأن البقاء للأثر الصالح، وأن الجمال سبيلٌ إلى الخلود.

ومن هنا، فإن افتتاح المتحف ليس لحظة مادية عابرة، بل لحظة يقينٍ وجمالٍ روحي، تُذكّر العالم بأن الحضارة لا تُقاس بما تملكه الأمم من مبانٍ أو مقتنيات، بل بما تحمله من قيم تُنير العقول والقلوب.

تم نسخ الرابط