التفاهم التجاري الأمريكي الصيني.. كيف يؤثر على الأسواق العالمية؟
بعد سنوات من التجاذبات الاقتصادية والرسوم الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين، عادت لغة التفاهم لتتصدر المشهد من جديد. المحادثات الأخيرة بين البلدين حملت مؤشرات إيجابية توحي بمرحلة أكثر استقراراً في العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، هذا الانفراج المحتمل لا يقتصر على إنهاء حرب الرسوم، بل يمتد إلى إعادة تشكيل مسار الأسواق العالمية ورفع ثقة المستثمرين في آسيا وأميركا.
تقدم في المحادثات وتمهيد لاتفاق مرتقب
وفقاً لتقرير بلومبرغ، شهدت المحادثات التي جرت في ماليزيا بين وفدي واشنطن وبكين تقدماً ملموساً في عدد من الملفات الحساسة، من بينها ضوابط التصدير، ورسوم الشحن، ومادة الفنتانيل. هذا التفاهم المبدئي مهّد الطريق أمام الرئيسين دونالد ترمب وشي جين بينغ للقاء يُتوقع أن يُعلن خلاله عن اتفاق مبدئي ينهي فترة طويلة من التوتر التجاري.
الأسواق استقبلت الخبر بحماس حذر؛ إذ صعد مؤشر هانغ سنغ تشاينا إنتربرايزز بنسبة 1.3%، ومؤشر سي إس آي 300 الصيني بنسبة 1%، بينما حقق مؤشر إم إس سي آي آسيا والمحيط الهادئ مكاسب بلغت 1.5%، ما عكس ارتياحاً عاماً تجاه التطورات الجديدة.
مكاسب للصين وأميركا في قطاعات محددة
توضح كبيرة استراتيجيي الاستثمار في ساكسو ماركتس (Charu Chanana) أن هذا التفاهم يبدو بمثابة "نتيجة رابحة للطرفين".
فمن الجانب الأميركي، يقلل الاتفاق من مخاطر التضخم واضطرابات سلاسل التوريد المرتبطة بالعناصر الأرضية النادرة والإلكترونيات، أما الصين، فتستفيد من تفادي رسوم جمركية إضافية وتحافظ على انسيابية صادراتها.
القطاعات الصينية الأكثر استفادة المحتملة تشمل مصنّعي الأجهزة والتكنولوجيا، وسلاسل توريد السيارات الكهربائية، والخدمات اللوجستية، وفي المقابل، تستفيد الشركات الأميركية العاملة في مجال أشباه الموصلات والتقنيات الإلكترونية من وضوح أكبر في سلاسل الإمداد وتراجع تكاليف الإنتاج.
رد فعل الأسواق: تفاؤل مشوب بالحذر
يرى ديلين وو من مجموعة "Pepperstone" أن رد الفعل في الأسواق سيكون "متفائلاً بحذر"، إذ يتوقع أن تشهد الأسهم الآسيوية والصينية ارتفاعاً في قطاعات التكنولوجيا والتصنيع، مع تحسن طفيف في سعر صرف اليوان أمام الدولار.
لكن الحذر يبقى سيد الموقف، حيث ينتظر المستثمرون ما سيخرج به اجتماع ترمب وشي من نتائج ملموسة قبل المضي في رهانات طويلة الأجل.
أبعاد سياسية واقتصادية مزدوجة
توضح هيبي تشين من "Vantage Markets" أن هذا التفاهم لا يحمل بعداً اقتصادياً فقط، بل يمثل خطوة سياسية مهمة للطرفين. فبالنسبة لترمب، يساعده الاتفاق في "تهيئة ساحة المعركة الجمركية" للمرحلة التالية من سياساته، بينما يشكل للصين ضرورة لإنهاء حالة الشد والجذب التي أرهقت اقتصادها.
وترى تشين أن تجاوز هذه العقبة الدبلوماسية –حتى لو مؤقتاً– من شأنه أن يعزز الثقة في الأسواق الأميركية والآسيوية، ويدفع الأسهم الصينية إلى موجة انتعاش بقيادة قطاعات التكنولوجيا والتصدير.
رؤية الخبراء: هدنة مؤقتة أم بداية جديدة؟
يرجح عدد من الاستراتيجيين، منهم شن منغ من بنك "Chanson & Co" وفيشنو فاراتان من "Mizuho Bank"، أن ما تحقق حتى الآن هو إطار تفاهم أولي وليس اتفاقاً شاملاً بعد، ومع ذلك، يعتبرونه كافياً لدعم المعنويات الإيجابية في الأسواق الصينية والأميركية.
ويرى تشيتان سيث من "Nomura Holdings" أن المحادثات البنّاءة بين واشنطن وبكين ترفع التفاؤل تجاه الأسهم في هونغ كونغ والبرّ الرئيسي للصين، فيما يصف كايل رودا من "Capital.com" التطورات بأنها "فرصة لإنعاش النمو الصيني عبر تقليص حالة عدم اليقين في التجارة".
نظرة مستقبلية: الأسواق في انتظار الخطوة التالية
يختتم تقرير بلومبرغ بالإشارة إلى أن تمديد الهدنة التجارية بين البلدين هو السيناريو الأرجح في الوقت الحالي، مع استمرار المحادثات حول التفاصيل الفنية للاتفاق النهائي.
وفي حال توقيع اتفاق شامل قريباً، فإن ذلك قد يفتح الباب أمام انتعاش واسع في أسواق آسيا، ويعزز مكانة قطاع التكنولوجيا كأكبر المستفيدين من الانفراج التجاري المرتقب.