باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
رئيس مجلس الإدارة
عمرو عامر
رئيس التحرير
نصر نعيم

من الخوارج إلى داعش.. تطور التطرف الديني عبر العصور

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

حين نزل الإسلام قبل أكثر من 14 قرنًا، حمل رسالة واضحة: الرحمة، العدل، والتسامح غير أن التاريخ الإسلامي لم يخلُ من تيارات خرجت عن هذا المنهج، فحوّلت الدين إلى أداة للقتل والإقصاء. وإذا كانت جماعة الخوارج في القرن الأول الهجري أول من رفع سيف "التكفير" في وجه الأمة، فإن جماعات اليوم  كـ"داعش" و"القاعدة" ونظرائهما  ليست سوى امتداد لذلك الفكر.

التطرف الديني اليوم ليس مجرد اجتهاد خاطئ، بل هو ظاهرة اجتماعية وسياسية تهدد المجتمعات الإسلامية قبل غيرها فمن تفجيرات الكنائس والمساجد، إلى اغتيال المفكرين، إلى تفجير الأسواق، يدفع الأبرياء الثمن الأكبر. والسؤال الجوهري:

لماذا يتجدد التطرف عبر العصور؟

ما دور التعليم في مواجهته أو تغذيته؟

وكيف يروي الضحايا قصصهم مع هذا الفكر المميت؟

التطرف في اللغة هو مجاوزة الحد وقد حذّر الإسلام من الغلو بوضوح:
قال النبي ﷺ: «إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» (رواه أحمد).

والتطرف الديني يعني فهمًا متشددًا للنصوص يفضي إلى تكفير المخالف، وإباحة دمه وماله. وهو على النقيض تمامًا من وسطية الإسلام التي أكدها القرآن:
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: 143].

من الخوارج إلى داعش: تاريخ يعيد نفسه

الخوارج الأوائل

نشأ الخوارج في القرن الأول الهجري عقب معركة صفين (37هـ)، حين رفضوا التحكيم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، ورفعوا شعارهم الشهير: "لا حكم إلا لله".
لكنهم لم يقفوا عند الشعار، بل كفّروا المسلمين بالمعصية، وقتلوا الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واعتبروا دماء المسلمين مباحة.

الجماعات المعاصرة

اليوم، تعيد "داعش" و"القاعدة" إنتاج الفكر ذاته، مع اختلاف الوسائل فهم يكفرون الحكومات والمجتمعات، ويستحلون دماء المسلمين قبل غيرهم وكأنهم نسخة حديثة من الخوارج، وصفهم النبي ﷺ حين قال:
«يخرج قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» (رواه البخاري ومسلم).

أوجه الشبه والاختلاف

التشابه: تكفير المخالف، استحلال الدماء، رفع شعار ديني بظاهر حق لكنه يراد به باطل.

الاختلاف: الجماعات الحديثة تستخدم أدوات العصر، مثل الإعلام الرقمي، والتمويل العابر للحدود، وشبكات التجنيد العالمية.

الأسباب: لماذا يولد التطرف؟

1. فهم مغلوط للنصوص

الجماعات المتطرفة تعتمد على اقتطاع النصوص مثلًا، يستدلون بقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: 5]، دون النظر إلى سياقها المرتبط بحرب خاصة، متجاهلين نصوص الرحمة والسلم.

2. الفقر والبطالة

شباب بلا عمل ولا أمل يصبحون فريسة سهلة للتنظيمات التي تقدم لهم المال والمكانة.

3. التهميش السياسي والاجتماعي

المناطق المهمشة أو المهمومة بالصراعات الداخلية غالبًا ما تشهد نشاطًا متزايدًا للجماعات المتطرفة.

4. الاضطرابات والحروب

الحروب الأهلية والفوضى السياسية توفر بيئة خصبة للتجنيد، تحت شعار "الجهاد" والدفاع عن الدين.

التعليم.. السلاح ذو الحدين

التعليم الرسمي

المناهج المدرسية إما أن تكون حصنًا ضد التطرف، أو أرضًا خصبة له فإذا غابت قيم التسامح والحوار، نشأ جيل يرى الآخر عدوًا.

التعليم الديني

المؤسسات الرسمية مثل الأزهر تؤكد على الوسطية، إذ يقول الإمام الأكبر: "الخطاب الديني الصحيح هو الحصن الأول ضد التطرف".
لكن الجماعات المتشددة تستغل الإنترنت لتقديم نسختها من "التعليم البديل"، ما يضاعف خطرها.

التعليم الرقمي

الإنترنت صار مدرسة مفتوحة، لكنه أيضًا ميدان للتجنيد دروس على "يوتيوب"، مقالات على "تلغرام"، وحتى ألعاب إلكترونية تُستغل لزرع الفكر المتطرف.

الأدلة الشرعية ضد التطرف

الإسلام يرفض العنف الموجه ضد الأبرياء:

قال الله تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].

وقال النبي ﷺ: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (رواه البخاري).

وأكد ﷺ: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» (متفق عليه).


هذه النصوص تضع حدًا واضحًا: لا قتل إلا بحكم قضائي مشروع، لا بفتاوى فردية أو جماعات مسلحة.

الآثار الاجتماعية: مجتمع ممزق

التطرف لا يضرب الأفراد فقط، بل يزعزع البنية الاجتماعية بأكملها:

تفكك الأسر: حين ينخرط أحد أفرادها في التطرف.

نزيف العقول: هجرة المثقفين والعلماء من مناطق الصراع.

تعطيل التنمية: الإرهاب يزرع الخوف ويجمد الاستثمارات.

الحلول: كيف نواجه التطرف؟

1. إصلاح التعليم: تضمين قيم الوسطية والحوار في المناهج.

2. خطاب ديني عصري: يواكب لغة الشباب ويفضح زيف المتطرفين.

3. تنمية اقتصادية: توفير فرص عمل تقلل من بيئة الاستقطاب.

4. دور الأسرة: متابعة الأبناء ورصد ما يتعرضون له عبر الإنترنت.

5. إعلام مسؤول: يكشف خديعة الجماعات بدلًا من تضخيمها.

التطرف الديني ليس دينًا ولا اجتهادًا، بل هو انحراف عن مقاصد الإسلام وهو ليس ظاهرة عابرة، بل معركة طويلة مع الجهل، الفقر، والفهم السقيم للنصوص.

من الخوارج الذين كفّروا الصحابة إلى جماعات اليوم التي تكفّر المجتمعات، تتغير الأسماء وتبقى الجوهرية واحدة: فكرٌ يستغل الدين لهدم الدين.
ولذلك، فإن المعركة الحقيقية ضد التطرف ليست عسكرية فقط، بل فكرية وتعليمية في المقام الأول.

تم نسخ الرابط